صفحة جزء
6142 94 - حدثنا حجاج ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت . قال : ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن [ ص: 93 ] الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، كره لقاء الله وكره الله لقاءه .


قد ذكرنا أن الترجمة جزء الحديث ، فلا مطابقة أوضح من هذا . وحجاج : هو ابن المنهال البصري ، وهو من كبار شيوخ البخاري ، مات سنة سبع عشرة ومائتين ، وهمام : هو ابن يحيى ، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي . والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن هدبة بن خالد وغيره ، وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمود بن غيلان ، وفي الجنائز عن أبي الأشعث أحمد بن المقدم ، وأخرجه النسائي في الجنائز عن أبي الأشعث .

قوله : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " قال الكرماني : ليس الشرط سببا للجزاء ، بل الأمر بالعكس ، ثم قال : مثله يؤول بالإخبار ، أي : من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه ، وكذلك الكراهة ، انتهى . وقيل : " من " خبرية ، وليست بشرطية ، وليس معناه أن سبب حب الله لقاء العبد حب لقائه ولا الكراهة ، ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم وعند ربهم ، والتقدير : من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه ، وكذا الكراهة ، انتهى . قلت : حديث أبي هريرة الذي يأتي في التوحيد مرفوع " قال الله تعالى : إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه " ، يدل على أن " من " شرطية ، فلا وجه لنفيها . وقال النووي : الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل التوبة ، فحينئذ يكشف لكل إنسان ما هو صائر إليه ، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد الله لهم ، ويحب الله لقاءهم ليجزل لهم العطاء والكرامة ، وأهل الشقاوة يكرهونه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ، ويكره الله لقاءهم ، أي يبعدهم عن رحمته ولا يريد لهم الخير . وقال الخطابي : اللقاء على وجوه ، منها : الرؤية ، ومنها : البعث ، كقوله تعالى : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله أي : بالبعث ، ومنها : الموت ، كقوله : من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وقال ابن الأثير في النهاية : المراد بلقاء الله هنا ، المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله ، وليس الغرض به الموت ، لأن كلا يكرهه ، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت .

قوله : " أو بعض أزواجه " كذا في هذه الرواية بالشك ، وجزم سعيد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي قالت ذلك ولم يتردد فيه . قلت : روى مسلم هذا الحديث عن هداب بن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث ، ولم يذكر في هذه الرواية هذه الزيادة ، أعني قوله " قالت عائشة أو بعض أزواجه " ، إلى آخره ، ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا ، فكأن مسلما حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة ، وقد أشار البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله : " اختصره " ، إلى آخره ، على ما يأتي ، وكذا أشار إلى رواية سعيد بن أبي عروبة تعليقا ، وهذا من العلل الخفية جدا ، فإن قلت : هذه الزيادة لا تظهر صريحا هل هي من كلام عبادة على معنى أنه سمع الحديث من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وسمع مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها ، أو من كلام أنس على معنى أنه حضر ذلك ، أو من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة ، فيكون في رواية همام إدراج . قلت : هذه الاحتمالات لا ترد ، فلذلك قال البخاري عقيب الحديث المذكور : اختصره أبو داود ، إلى آخره ، وهذا من صنيعه العجيب .

قوله : " مما أمامه " ، بفتح الهمزة ، أي : مما قدامه من استقبال الموت ، وقال الكرماني : مما أمامه ، متناول للموت أيضا ، ثم قال : فإن قلت : قد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا وأثبته عموما فما وجهه ؟ قلت : نفى الكراهة التي هي حال الصحة ، وقبل الاطلاع على حاله ، وأثبت التي هي في حال النزع وبعد الاطلاع على حاله ، فلا منافاة . قوله : " حضر " على صيغة المجهول ، وكذلك قوله : " بشر " . قوله : " كره لقاء الله " ويروى " فكره " بالفاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية