صفحة جزء
6175 [ ص: 116 ] 128 - حدثنا عمران بن ميسرة ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا حصين ، قال أبو عبد الله : وحدثني أسيد بن زيد ، حدثنا هشيم ، عن حصين ، قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : حدثني ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : عرضت علي الأمم ، فأخذ النبي يمر معه الأمة ، والنبي يمر معه النفر ، والنبي يمر معه العشرة ، والنبي يمر معه الخمسة ، والنبي يمر وحده ، فنظرت ، فإذا سواد كثير ، قلت : يا جبريل : هؤلاء أمتي ؟ قال : لا ، ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قال : هؤلاء أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب . قلت : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون . فقام إليه عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم . قال : اللهم اجعله منهم . ثم قام إليه رجل آخر قال : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : سبقك بها عكاشة .


مطابقته للترجمة ظاهرة . وأخرجه من طريقين ، أحدهما : عن عمران بن ميسرة ، ضد الميمنة ، عن محمد بن فضيل ، بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي الكوفي ، عن حصين ، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي ، والطريق الآخر : عن أسيد ، بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ، ابن زيد من الزيادة ، أبي محمد الجمال بالجيم ، مولى صالح القرشي الكوفي ، عن هشيم ، بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ، ابن بشير الواسطي ، عن حصين ، إلى آخره ، وأشار البخاري إلى روايته عن أسيد المذكور بقوله : " قال أبو عبد الله - وهو البخاري - وحدثني أسيد بن زيد " إلى آخره ، ولم يرو البخاري عنه إلا في هذا الموضع فقط مقرونا بعمران بن ميسرة ، فإن قلت : أسيد هذا ضعيف جدا ، ضعفه جماعة منهم يحيى بن معين ، وأفحش القول فيه ، وقال أبو حاتم : كانوا يتكلمون فيه . قلت : قال أبو مسعود : لعله كان ثقة عنده ، وهذا لا يجدي في الاحتجاج به ، ولهذا روى عنه مقرونا بعمران بن ميسرة ، فإن قلت : ما كان الداعي لهذا والإسناد الأول كان كافيا ؟ قلت : قال بعضهم : إنما احتاج إليه فرارا من تكرر الإسناد بعينه ، فإنه أخرج السند الأول في الطب في باب من اكتوى ثم أعاده هنا فأضاف إليه طريق هشيم ، انتهى ، وهذا ليس بشيء ، لأنه قد وقع في البخاري أسانيد كثيرة تكررت بعينها في غير موضع ولا يخفى هذا على من يتأمل ذلك ، وأما الذي ذكره في الطب فهو مطول ، أخرجه عن عمران بن ميسرة عن ابن فضيل عن حصين عن عامر عن عمران بن حصين ، الحديث ، وأخرجه في أحاديث الأنبياء مختصرا عن مسدد ومضى الكلام فيه هناك .

قوله : " عرضت علي " بتشديد الياء ، والأمم بالرفع ، قوله : " الأمة " أي : العدد الكثير . قوله : " فأخذ " بفتح الخاء المعجمة والذال المعجمة في رواية الكشميهني ، وهو من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ فيه ، فتارة يستعمل أخذ استعمال عسى فيدخل أن في خبره وتارة يستعمل استعمال كاد بغير أن ، ويروى " فأجد " بفتح الهمزة وكسر الجيم وبالدال المهملة ، فعلى هذا لفظ النبي منصوب على المفعولية ، وعلى الأول هو مرفوع على أنه اسم أخذ ، وقوله : " يمر " خبره . قوله : " النفر " هو رهط الإنسان وعشيرته ، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، ولا واحد له من لفظه . قوله : " معه العشرة " بفتح الشين ، اسم العدد المعين ، وفي رواية المستملي " العشيرة " بكسر الشين وسكون الياء آخر الحروف وهي القبيلة . قوله : " فإذا سواد كثير " السواد بلفظ ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ، ووصفه بالكثرة إشارة إلى أن المراد بلفظه الجنس . قوله : " فإذا سواد كثير " كلمة " إذا " للمفاجأة ، وفي رواية سعيد بن منصور " عظيم " موضع " كثير " . قوله : " قدامهم " في رواية سعيد بن منصور " ومعهم " بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير " ومع هؤلاء " . قوله : " ولم " بكسر اللام وفتح الميم ويجوز تسكينها يستفهم بها عن السبب . قوله : " لا يكتوون " قال الكرماني : أي : عند غير الضرورة ، والاعتقاد بأن الشفاء من الكي . قلت : فيه تأمل . قوله " ولا [ ص: 117 ] يسترقون " أي : بالأمور التي هي غير القرآن كعزائم أهل الجاهلية . قوله : " ولا يتطيرون " أي : لا يتشاءمون بالطيور ، وأنهم الذين يتركون أعمال الجاهلية وعقائدهم ، قيل : هم أكثر من هذا العدد ، وأجيب : الله أعلم بذلك ، مع احتمال أن يراد بالسبعين الكثير ، وقال بعضهم : إن العدد المذكور على ظاهره ، وقوى كلامه بأحاديث ، منها : ما رواه الترمذي من حديث أبي أمامة رفعه : " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا ، لا حساب عليهم ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي " . قلت : احتمال الزيادة في السبعين باق ، لأن المراد منه ليس خصوص العدد ، والحثيات كناية عن المبالغة في الكثرة ، قاله ابن الأثير . قوله : " رجل آخر " قيل : هو سعد بن عبادة الأنصاري ، سيد الخزرج . قلت : أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر أحد الضعفاء ، وقيل : يستبعد هذا السؤال من سعد بن عبادة ، فلعل هذا سعد بن عمارة الأنصاري وصحفه الناقل .

قوله : " سبقك بها عكاشة " اختلفوا في الحكمة في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا القول ، فقال الفراء : كان الآخر منافقا ، ورد هذا بأن الأصل في الصحابة عدم النفاق ، وقيل : إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الآخر ، وقال ابن الجوزي : يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب ، وأما الثاني فيحتمل أن يكون أراد حسم المادة ، فلو قال للثاني نعم فلا شك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له ، وليس كل الناس يصلح لذلك . وقال القرطبي : لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب . وقال السهيلي : الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله تعالى عليه وسلم واتفق أن الرجل قال بعدما انقضت ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية