صفحة جزء
646 69 - حدثنا إسحاق بن نصر، قال: حدثنا حسين، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، قال: حدثني أبو بردة، عن أبي موسى قال: مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - فاشتد مرضه، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة: إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فعادت فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف، فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -


مطابقته للترجمة ظاهرة فإن أبا بكر أفضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

(ذكر رجاله) وهم ستة: الأول إسحاق بن نصر بفتح النون وسكون الصاد المهملة، وهو إسحاق بن إبراهيم، وروى عنه البخاري في غير موضع من كتابه مرة يقول حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر، ومرة يقول حدثنا إسحاق بن نصر فينسبه إلى جده، الثاني: حسين بن علي بن الوليد الجعفي الكوفي، الثالث: زائدة بن قدامة، الرابع: عبد الملك بن عمير بتصغير عمر، وابن سويد الكوفي كان معروفا بعبد الملك القبطي لأنه كان له فرس سابق يعرف بالقبطي فنسب إليه، وكان على قضاء الكوفة بعد الشعبي، وهو أول من عبر نهر جيحون نهر بلخ على طريق سمرقند، مات سنة ست وثلاثين ومائة وعمره مائة سنة وثلاث سنين، الخامس: أبو بردة بن أبي موسى واسمه عامر، السادس: أبو موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس .

(ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضعين وبصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وفيه نسبة الراوي إلى جده وهو شيخ البخاري، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وفيه أن رواته كلهم كوفيون سوى شيخ البخاري، وفيه أن شيخه من أفراده.

ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره، وأخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم السلام عن الربيع عن يحيى، وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة .

[ ص: 203 ] (ذكر معناه) قد ذكرنا أكثر معانيه وما يتعلق به في باب حد المريض أن يشهد الجماعة فإنه روى هذا الحديث هناك من حديث الأسود عن عائشة، وبينا هناك ما ذكر فيه من اختلاف الروايات. قوله: ( رقيق ) أي رقيق القلب. قوله: (لم يستطع ) أي من البكاء لكثرة الحزن، ورقة القلب. قوله: ( فعادت ) أي عائشة إلى مقالتها الأولى. قوله: ( فإنكن )، الخطاب لجنس عائشة، وإلا فالقياس أن يقال فإنك بلفظ المفرد. قوله: ( فأتاه الرسول ) أي فأتى أبا بكر رسول النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ الأمر بصلاته بالناس، وكان الرسول هو بلال رضي الله تعالى عنه. قوله: ( فصلى بالناس في حياة النبي عليه الصلاة والسلام -) أي إلى أن مات، وكذا صرح به موسى بن عقبة في (المغازي).

(ذكر ما يستفاد منه) وهو على وجوه، الأول فيه دلالة على فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه، الثاني فيه أن أبا بكر صلى بالناس في حياة النبي عليه الصلاة والسلام - وكانت في هذه الإمامة التي هي الصغرى دلالة على الإمامة الكبرى، الثالث فيه أن الأحق بالإمامة هو الأعلم، واختلف العلماء فيمن هو أولى بالإمامة فقالت طائفة الأفقه، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والجمهور، وقال أبو يوسف، وأحمد، وإسحاق : الأقرأ، وهو قول ابن سيرين، وبعض الشافعية، ولا شك في اجتماع هذين الوصفين في حق الصديق ألا ترى إلى قول أبي سعيد وكان أبو بكر أعلمنا؟ ! ومراجعة الشارع بأنه هو الذي يصلي تدل على ترجيحه على جميع الصحابة وتفضيله؛ فإن قلت: في حديث أبي مسعود البدري الثابت في مسلم ليؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى يعارض هذا قلت: لا لأنه لا يكاد يوجد إذ ذاك قارئ إلا وهو فقيه، وأجاب بعضهم بأن تقديم الأقرإ كان في أول الإسلام حين كان حفاظ الإسلام قليلا، وقد قدم عمرو بن سلمة وهو صغير على الشيوخ لذلك، وكان سالم يؤم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء حين أقبلوا من مكة لعدم الحفاظ حينئذ، وقال أصحابنا: أولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة أي بالفقه والأحكام الشرعية إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة، وهو قول الجمهور، وإليه ذهب عطاء، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وعن أبي يوسف : أقرأ الناس أولى بالإمامة يعني أعلمهم بالقراءة، وكيفية أداء حروفها ووقوفها، وما يتعلق بالقراءة، وهو أحد الوجوه عند الشافعية، وفي (المبسوط) وغيره: إنما قدم الأقرأ في الحديث لأنهم كانوا في ذلك الوقت يتلقونه بأحكامه حتى روي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة فكان الأقرأ فيهم هو الأعلم بالسنة والأحكام، وعن ابن عمر أنه قال: ما كانت تنزل السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها، والرجل اليوم يقرأ السورة ولا يعرف من أحكامها شيئا؛ فإن قلت: لما كان أقرؤهم أعلمهم فما معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، وأقرؤهم هو أعلمهم بالسنة في ذلك الوقت لا محالة على ما قالوا، قلت: المساواة في القراءة توجيهها في العلم في ذلك الزمان ظاهرا لا قطعا فجاز تصور مساواة الاثنين في القراءة مع التفاوت في الأحكام ألا ترى أن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه كان أقرأ، وابن مسعود كان أعلم وأفقه؟ ! وفي (النهاية) استقل بحفظ القرآن ستة: أبو بكر، وعثمان، وعلي، وزيد، وأبي، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وعمر رضي الله تعالى عنه كان أعلم وأفقه من عثمان، ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن فجرى كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم على الأعم الأغلب؛ فإن قلت: الكلام في الأفضلية مع الاتفاق على الجواز على أي وجه كان، وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة بصيغة تدل على عدم جواز إمامة الثاني عند وجود الأول لأن صيغته صيغة إخبار، وهو في اقتضاء الوجوب آكد من الأمر، وأيضا فإنه ذكره بالشرط والجزاء فكان اعتبار الثاني إنما كان بعد وجود الأول لا قبله قلت: صيغة الإخبار لبيان الشرعية لا أنه لا يجوز غيره كقوله صلى الله عليه وسلم: يمسح المقيم يوما وليلة، ولئن سلمنا أن صيغة الإخبار محمولة على معنى الأمر، ولكن الأمر يحمل على الاستحباب لوجود الجواز بدون الاقتداء بالإجماع؛ فإن قلت: لو كان المراد في الحديث من قوله: (يؤم القوم أقرؤهم) هو الأعلم لكان يلزم تكرار الأعلم في الحديث، ويكون التقدير يؤم القوم أعلمهم فإن تساووا فأعلمهم قلت: المراد من قوله: (كان أقرؤهم أعلمهم) يعني أعلمهم بكتاب الله دون السنة، ومن قوله: (أعلمهم بالسنة) أعلمهم بأحكام الكتاب والسنة جميعا، فكان الأعلم الثاني غير الأعلم الأول؛ فإن قلت: حديث أبي مسعود الذي أخرجه البخاري، ومسلم يؤم القوم أقرؤهم الحديث يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر يصلي .

[ ص: 204 ] بالناس إذ كان فيهم من هو أقرأ منه للقرآن مثل أبي وغيره، وهو أولى قلت: حديث أبي مسعود كان في أول الهجرة، وحديث أبي بكر في آخر الأمر، وقد تفقهوا في القرآن، وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه أعلمهم وأفقههم في كل أمره، وقال أصحابنا: فإن تساووا في العلم والقراءة فأولاهم أورعهم، وفي (البدرية) الورع الاجتناب عن الشبهات، والتقوى الاجتناب عن المحرمات فإن تساووا في القراءة والعلم والورع فأسنهم أولى بالإمامة لقوله صلى الله عليه وسلم: وليؤمكما أكبركما، وفي (المحيط) الأسن أولى من الأورع إذا لم يكن فيه فسق ظاهر، وقال النووي : المراد بالسن سن مضى في الإسلام فلا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله قال أصحابنا: فإن تساووا في السن فأحسنهم خلقا، وزاد بعضهم فإن تساووا فأحسنهم وجها، وفي (مختصر الجواهر) يرجح بالفضائل الشرعية، والخلقية، والمكانية، وكمال الصورة؛ كالشرف في النسب، والسن، ويلتحق بذلك حسن اللباس. وقيل: وبصباحة الوجه، وحسن الخلق، وبملك رقبة المكان أو منفعته، قال المرغيناني : المستأجر أولى من المالك، وفي (الخلاصة): فإن تساووا في هذه الخصال يقرع أو الخيار إلى القوم. وقيل: إمامة المقيم أولى من العكس، وقال أبو الفضل الكرماني: هما سواء، وللشافعي قولان في القديم تقديم الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن، وهو الأصح، والقول الثاني يقدم الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة، وفي تتمتهم ثم بعد الكبر والشرف تقدم نظافة الثوب، والمراد به النظافة عن الوسخ لا عن النجاسات لأن الصلاة مع النجاسات لا تصح ثم بعد ذلك حسن الصوت لأنه به تميل الناس إلى الصلاة خلفه فتكثر الجماعة ثم حسن الصورة.

التالي السابق


الخدمات العلمية