صفحة جزء
6368 26 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك ، فلما [ ص: 250 ] كان عام الفتح أخذه سعد ، فقال : ابن أخي عهد إلي فيه ، فقام عبد بن زمعة ، فقال : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه ، فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال سعد : يا رسول الله ، ابن أخي قد كان عهد إلي فيه ، فقال عبد بن زمعة : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ثم قال لسودة بنت زمعة : احتجبي منه ، لما رأى من شبهه بعتبة ، فما رآها حتى لقي الله .


مطابقته للترجمة في قوله الولد للفراش وللعاهر الحجر .

والحديث مضى في البيوع عن يحيى بن قزعة عن مالك ، ومضى في الوصايا وفي المغازي عن القعنبي عن مالك ، وسيجيء في الأحكام عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك ، ومضى الكلام فيه ولكن نذكر بعض شيء لبعد المسافة .

وعتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة ابن أبي وقاص وهو أخو سعد بن أبي وقاص مختلف في صحبته ، فذكره العسكري في الصحابة ، وذكر أنه أصاب دما بمكة في قريش فانتقل إلى المدينة ، ولما مات أوصى إلى سعد .

وذكره ابن منده في الصحابة ولم يذكر مستندا إلا قول سعد : عهد إلي أخي أنه ولده ، وأنكر أبو نعيم ذلك وذكر أنه الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، وما علمت له إسلاما ، بل قد روى عبد الرزاق من طريق عثمان الجزري عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بأن لا يحول على عتبة الحول حتى يموت كافرا فمات قبل الحول ، وهذا مرسل .

وجزم الدمياطي وابن التين بأنه مات كافرا ، وأم عتبة هند بنت وهب بن الحارث بن زهرة ، وأم أخيه سعد حمنة بنت سفيان بن أمية .

قوله : " عهد إلى أخيه " أي أوصى إلى أخيه سعد بن أبي وقاص عند موته ، قوله : إن ابن وليدة زمعة مني أي ابن أمة زمعة مني ، وكذا وقع في المظالم ، والوليدة فعيلة من الولادة .

قال الجوهري : هي الصبية والأمة ، والجمع ولائد ، وكانت أمة يمانية وزمعة آخر غيره ، ونبه عليه الطحاوي أيضا .

" وقال عبد بن زمعة " بفتح الزاي وسكون الميم وقد يحرك ، وقال النووي : السكون أشهر ، وقال أبو الوليد الوقشي : التحريك هو الصواب ، وهو قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .

قوله : " فلما كان عام الفتح أخذه سعد " أي سعد بن أبي وقاص ، وكان رآه يوم الفتح فعرفه بالشبه فاحتضنه إليه ، وقال : ابن أخي ورب الكعبة ، وفي رواية الليث : قال سعد : يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص ، عهد إلي أنه ابنه .

قوله : " فقام عبد بن زمعة فقال أخي " أي هذا أخي وابن وليدة أبي أي ابن أمته ولد على فراشه ، وعبد هذا بغير إضافة إلى شيء ، قيل : وقع في مختصر ابن الحاجب عبد الله ، ورد عليه بأنه غلط لأن عبد الله بن زمعة هو ابن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى .

وقيل : قد وقع لابن منده فيه خبط في ترجمة عبد الرحمن بن زمعة ، فإنه زعم أن عبد الرحمن وعبد الله وعبدا بغير إضافة إخوة ثلاثة أولاد زمعة بن الأسود ، وليس كذلك بل عبد بغير إضافة ، وعبد الرحمن أخوان عامريان من قريش ، وعبد الله بن زمعة أسدي من قريش أيضا .

قوله : " فتساوقا " من التساوق وهو المتابعة ، كان أحدهما يتبع الآخر ويسوقه ، قوله : " أخي " أي هو أخي وابن وليدة أبي أي ابن أمته ، قوله : " هو لك يا عبد بن زمعة " حكم له بأن يأخذه ويقرأ بنصب عبد ورفعه . قاله صاحب التوضيح ، ومعناه أنه يكون لك أخا على دعواك فأقره ، ولم يقل : إن الأمة لا تكون فراشا .

وقال بعضهم : وقد سلك الطحاوي فيه مسلكا آخر ، فقال : معنى قوله : " هو لك " أي يدك عليه لا أنك تملكه ولكن تمنع غيرك منه إلى أن يتبين أمره ، كما قال لصاحب اللقطة : هي لك ، وقال له : إذا جاء صاحبها فردها إليه ، قال : ولما كانت سودة شريكة لعبد في ذلك لكن لم يعلم منها تصديق ذلك ولا الدعوى به ألزم عبدا بما أقر به على نفسه ولم يجعل ذلك حجة عليها ، فأمرها بالاحتجاب ، ثم قال هذا الناقل عن الطحاوي هذا الكلام ، وكلامه كله متعقب بالرواية المصرح فيها بقوله : " هو أخوك " ، فإنها رفعت الإشكال وكأنه لم يقف عليها ولا على حديث ابن الزبير ، وسودة الدال على أن سودة وافقت أخاها عبدا في الدعوى بذلك ، انتهى .

قلت : روى أبو داود هذا الحديث عن سعيد بن منصور ومسدد ، وفيه : وزاد مسدد في حديثه هو أخوك ، والصحيح ما رواه سعيد [ ص: 251 ] ابن منصور ، وزيادة مسدد لم يوافقه عليها أحد ، ولئن سلمنا صحة هذه الزيادة ولكن يراد به أخوك في الدين ، ويحتمل أن يكون أصل الحديث : هو لك ، فظن الراوي أن معناه أخوه في النسب ، فحمله على المعنى الذي عنده .

والخبر الذي يرويه عبد الله بن الزبير صرح بأنه صلى الله عليه وسلم قال : فإنه ليس لك بأخ ، وقال الخطابي وغيره : كان أهل الجاهلية يقررون على ولائدهم الضرائب فيكتسبن بالفجور وكانوا يلحقون بالزناة إذا دعوا كما في النكاح ، وكانت لزمعة أمة وكان يلم بها فظهر بها حمل ، وزعم عتبة بن أبي وقاص أنه منه وعهد إلى أخيه سعد أن يستلحقه ، فخاصم فيه عبد بن زمعة ، فقال سعد : هو ابن أخي . على ما كان الأمر في الجاهلية ، وقال عبد : هو أخي . على ما استقر عليه الحكم في الإسلام ، فأبطل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حكم الجاهلية وألحقه بزمعة .

قوله : " الولد للفراش " مر تفسيره عن قريب ، وقال صاحب التوضيح : وعند جمهور العلماء أن الحرة لا تكون فراشا إلا بإمكان الوطء ويلحق الولد في مدة تلد في مثلها ، وأقل ذلك ستة أشهر ، وشذ أبو حنيفة فقال : إذا طلقها عقيب النكاح من غير إمكان وطء ، فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد فإنه يلحقه ، وقال أيضا : وما ذهب إليه أبو حنيفة خلاف ما أجرى الله تعالى به العادة من أن الولد إنما يكون من ماء الرجل وماء المرأة .

قلت : أبو حنيفة لم يشذ فيما ذهب إليه ولا خالف ما أجرى الله به العادة ، وإن صاحب التوضيح ومن سلك مسلكه لم يدركا في هذه المسألة ما أدركه أبو حنيفة لأنه احتج فيما ذهب إليه بقوله : " الولد للفراش " أي لصاحب الفراش ، ولم يذكر فيه اشتراط الوطء ولا ذكره ولأن العقد فيها كالوطء بخلاف الأمة فإنه ليس لها فراش ، فلا يثبت نسب ما ولدته الأمة إلا باعتراف مولاها .

قوله : " وللعاهر الحجر " أي وللزاني الخيبة والحرمان والعهر بفتحتين الزنا ، ومعنى الخيبة الحرمان من الولد الذي يدعيه ، وعادة العرب أن تقول لمن خاب : له الحجر ، وبقية الحجر والتراب ونحو ذلك .

وقيل : المراد بالحجر هنا أنه يرجم ، قال النووي : وهو ضعيف لأن الرجم مختص بالمحصن ، قوله : ثم قال لسودة بنت زمعة أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم : احتجبي منه أي من ابن الوليدة المدعى تورعا واحتياطا ، وذلك لشبهه بعتبة بن أبي وقاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية