صفحة جزء
وقال لنا الحميدي : كان عند ابن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدا .
الحميدي - بضم الحاء - هو أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي المكي أحد مشايخ البخاري ، وقد مر ذكره ، وتصدير الباب بقوله تنبيه على أنه اختار هذا القول في عدم الفرق بين هذه الألفاظ الأربعة - نقل هذا عن شيخه الحميدي ، والحميدي أيضا نقل ذلك عن شيخه سفيان بن عيينة ، وهو أيضا قد ذكر .

وفي بعض النسخ " وقال لنا الحميدي " ، وهي رواية كريمة والأصيلي ، وكذا ذكر أبو نعيم في المستخرج ، وليس في رواية كريمة " وأنبأنا " ، والكل في رواية أبي ذر .

ثم اعلم أن قوله " قال الحميدي " لا يدل جزما على أنه سمعه منه ، فيحتمل الواسطة ، وهو أحط مرتبة من حدثنا ونحوه سواء كان بزيادة لنا أو لم يكن ; لأنه يقال على سبيل المذاكرة بخلاف نحو حدثنا فإنه يقال على سبيل النقل والتحمل .

وقال جعفر بن حمدان النيسابوري : كل ما قال البخاري فيه قال لي فلان فهو عرض ومناولة . وقال القاضي عياض : لا خلاف أنه يجوز في السماع من لفظ الشيخ أن يقول السامع فيه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعته يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان . وإليه مال الطحاوي ، وصحح هذا المذهب ابن الحاجب ، ونقل هو وغيره عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة ، وهو مذهب جماعة من المحدثين منهم الزهري ويحيى القطان .

وقيل : إنه قول معظم الحجازيين والكوفيين ، فلذلك اختاره البخاري بنقله عن الحميدي عن سفيان بن عيينة . وقال آخرون بالمنع في القراءة على الشيخ إلا مقيدا ، مثل حدثنا فلان قراءة عليه وأخبرنا قراءة عليه ، وهو مذهب المتكلمين .

وقال آخرون بالمنع في حدثنا وبالجواز في أخبرنا ، وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق ، ونقل عن أكثر المحدثين منهم ابن جريج والأوزاعي والنسائي وابن وهب . وقيل : إن عبد الله بن وهب أول من أحدث هذا الفرق بمصر ، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث . والأحسن أن يقال فيه : إنه اصطلاح منهم ، أرادوا به التمييز بين النوعين ، وخصصوا قراءة الشيخ بحدثنا لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة .

وأحدث المتأخرون تفصيلا آخر ، وهو أنه متى سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدثني أو أخبرني أو سمعت ، ومتى سمع مع غيره جمع فقال حدثنا أو أخبرنا ، ومتى قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ، وخصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يخبره ، وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم ; لأن هذا اصطلاح ولا منازعة فيه .

وقال بعضهم : التحديث والإخبار والإنباء سواء ، وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة . قلت : لا نسلم ذلك ; لأن الحديث هو القول ، والخبر من الخبر - بضم الخاء وسكون الباء - وهو العلم بالشيء ، من خبرت الشيء أخبره خبرا وخبرة ، ومن أين خبرت هذا ؟ أي علمته . وإنما استواء هذه الألفاظ بالنسبة إلى الاصطلاح ، وكل ما جاء من لفظ الخبر وما يشتق منه في القرآن والحديث وغيرهما فمعناه الأصلي هو العلم ; فافهم !

التالي السابق


الخدمات العلمية