صفحة جزء
63 باب القراءة والعرض على المحدث
أي : هذا باب في بيان حكم القراءة والعرض على المحدث .

قوله " على المحدث " يتعلق بالقراءة والعرض كليهما ، فهو من باب تنازع العاملين على معمول واحد .

وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول هو قراءة الشيخ والمذكور في هذا الباب هو القراءة على الشيخ والسماع عليه ، وهذه مناسبة قوية . وقال الشيخ قطب الدين : لما ذكر البخاري في الباب الأول قراءة الشيخ وهو قوله " باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا " عقب بهذا الباب فذكر القراءة على الشيخ والسماع عليه ، فقال " باب القراءة والعرض على المحدث " ، وكان من حقه أن يقدم هذا الباب على باب قول المحدث حدثنا وأنبأنا ; لأن قول المحدث حدثنا وأنبأنا فرع عن تحمله هل كان بالقراءة أو بالعرض . أو يقول باب قراءة الشيخ ، ثم يقول باب القراءة على المحدث .

قلت : كلامه مشعر ببيان المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبل الباب السابق على هذا الباب ، وهو باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا ، وحق المناسبة هو الذي يكون بين البابين المتواليين كما ذكرناه الآن . وقوله " وكان من حقه ... " إلخ - ليس كذلك ، بل الذي رتبه هو الحق ; لأنا قد قلنا : إن المذكور في الباب السابق هو قراءة الشيخ ، وفي هذا الباب القراءة على الشيخ ، وقراءة الشيخ أقوى ، والأقوى يستحق التقديم .

فإن قلت : ما مقصود البخاري من وضع هذا الباب المترجم بالترجمة المذكورة ؟ قلت : أراد به الرد على طائفة لا يعتدون إلا بما يسمع من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ له عليهم ، ولهذا قال عقيب الباب : ورأى الحسن والثوري ومالك القراءة جائزة ... إلخ .

فإن قلت : ما الفرق بين مفهومي القراءة والعرض ؟ قلت : المفهوم من كلام الكرماني أن بينهما مساواة ; لأنه قال : المراد بالعرض هو عرض القراءة بقرينة ما يذكر بعد الترجمة ، ثم قال : فإن قلت : فعلى هذا التقدير لا يصح عطف العرض على القراءة لأنه نفسها - قلت : العرض تفسير القراءة ، ومثله يسمى بالعطف التفسيري . وقال بعضهم : إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص ; لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض ومن غيره ، ولا يقع العرض إلا بالقراءة ; لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته ، فهو أخص من القراءة .

قلت : هذا كلام مخبط ; لأنه تارة جعل القراءة أعم من العرض وتارة جعلها مساوية له ، لأن قوله " لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض ومن غيره " مشعر بأن بين القراءة والعرض عموما وخصوصا مطلقا لاستلزام صدق أحدهما صدق الآخر كالإنسان والحيوان ، وقوله " ولا يقع العرض إلا بالقراءة " مشعر بأن بينهما مساواة ; لأنهما متلازمان في الصدق كالإنسان والناطق . والتحقيق في هذا الموضع أن العرض بالمعنى الأخص مساو للقراءة ، وبالمعنى الأعم يكون بينهما عموم وخصوص مطلق لاستلزام صدق أحدهما صدق الآخر ، والمستلزم أخص مطلقا واللازم أعم ; فالقراءة بمنزلة الإنسان والعرض [ ص: 17 ] بمنزلة الحيوان ، وإنما قلنا : إن العرض له معنيان - لأنه لا يخلو إما أن يكون بقراءة أو لا ; فالأول يسمى عرض قراءة ، والثاني عرض مناولة ، وهو أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب فيعرضه عليه فيتأمل الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له : وقفت على ما فيه ، وهو حديثي عن فلان ، فأجزت لك روايته عني - ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية