صفحة جزء
6739 22 - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عبد الملك بن عمير، سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه - وكان بسجستان - بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان؛ فإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان.


مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث الثقفي .

والحديث أخرجه مسلم في الأحكام أيضا، عن قتيبة وغيره. وأخرجه ابن ماجه في الأحكام، عن هشام بن عمار وغيره.

قوله: " كتب أبو بكرة إلى ابنه " وفي رواية الترمذي ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن أبي بكرة ، وهذا يفسر رواية البخاري [ ص: 234 ] المبهمة، وكذا وقع في أطراف المزي إلى ابنه عبيد الله ، ووقع في رواية مسلم ، عن عبد الرحمن قال: كتب أبي ، وكتبت إلى عبيد الله بن أبي بكرة . قيل: معناه كتب أبو بكرة بنفسه مرة، وأمر ولده عبد الرحمن أن يكتب لأخيه، فكتب له مرة أخرى، انتهى.

وقال بعضهم: ولا يتعين ذلك، بل الذي يظهر أن قوله: " كتب أبي " أي: أمر بالكتابة، وقوله: " وكتبت له " أي: باشرت الكتابة التي أمر بها، والأصل عدم التعدد. انتهى. قلت: الأصل عدم التعدد، والأصل عدم ارتكاب المجاز، والعدول عن ظاهر الكلام لا لعلة، وما المانع من التعدد؟

قوله: " وكان بسجستان " وفي رواية مسلم : وهو قاض بسجستان ، وهي جملة حالية، وهي في الأصل اسم إقليم من الأقاليم العراقية ، وهو إقليم عظيم واسم قصبته زرنج بفتح الزاي والراء وسكون النون وبالجيم، وهي مدينة كبيرة من سجستان ، وقال ابن حوقل : وقد يطلق على زرنج نفسها سجستان . قلت: اسم سجستان أنسي هذا اليوم، وأطلق اسم الإقليم على المدينة ، وهي بين خراسان ومكران والسند وبين كرمان ، بينهما وبين كرمان مائة فرسخ، منها أربعون فرسخا مفازة ليس فيها ماء، والنسبة إليها سجستاني، وسجزي - بزاي بدل السين الثانية والتاء - وهو على غير قياس.

قوله: " غضبان " الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، وروى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا: ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ .

قوله: " حكم " بفتحتين هو الحاكم ، وقال المهلب : سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز إلى غير الحق، فمنع، وبذلك قال فقهاء الأمصار

وقال الغزالي : فهم من هذا الحديث أنه لا يقضي حاقنا أو جائعا أو متألما بمرض . وقال الرافعي : وكذلك لا يقضي بكل حال يسوء خلقه فيها ويتغير عقله فيها بجوع وشبع مفرط ومرض مؤلم وخوف مزعج وحزن وفرح شديدين وكغلبة نعاس وملال، وكذا لو حضره طعام ونفسه تتوق إليه. قال: والمقصود أن يتمكن من استيفاء الفكر والنظر.

فإن قلت: هل هذا النهي نهي تحريم أو كراهة؟ قلت: نهي تحريم عند أهل الظاهر ، وحمله العلماء على الكراهة حتى لو حكم في حال غضبه بالحق نفذ حكمه، وهو مذهب الجمهور

فإن قلت: قد صح عنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه قد حكم في حالة غضبه، كحكمه للزبير في شراج الحرة حين قال له الأنصاري : أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - وقال: اسق يا زبير ، الحديث. وفي الصحيح أيضا في قصة عبد الله بن عمر حين طلق امرأته وهي حائض، فذكره عمر رضي الله تعالى عنه لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فتغيظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. قلت: أجابوا عنه بأجوبة، أحسنها أنه -صلى الله عليه وسلم- كان معصوما فلا يتطرق إليه احتمال ما يخشى من غيره في الحكم وغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية