صفحة جزء
6975 39 - حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، شفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناك، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم خطاياه التي أصابها، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما، فيأتون موسى فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ربي، ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة.


مطابقته للترجمة في قوله: "خلقك الله بيده".

ومعاذ بن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة، وحكي ضم الفاء، وهشام هو الدستوائي.

والحديث مضى في أول تفسير سورة البقرة عن مسلم بن إبراهيم عن هشام، وعن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة، ومضى الكلام فيه.

قوله: "يجمع الله المؤمنين" يتناول كل المؤمنين من الأمم الماضية.

قوله: "كذلك" أي: مثل الجمع الذي نحن عليه.

قوله: "لو استشفعنا" الجزاء محذوف أو كلمة لو للتمني فلا يحتاج إلى الجزاء.

قوله: "يريحنا" بضم الياء [ ص: 105 ] وكسر الراء من الإراحة.

قوله: "من مكاننا هذا" أي: من الموقف بأن يحاسبوا ويخلصوا من حر الشمس والغموم والكروب وسائر الأهوال مما لا يطيقون ولا يحملون.

قوله: "أما ترى الناس" أي: فيما هم فيه.

قوله: "شفع" أمر من التشفيع، وهو قبول الشفاعة، قال الكرماني: وهو لا يناسب المقام، اللهم إلا أن يقال: هو تفعيل للتكثير والمبالغة، وفي بعض النسخ: "اشفع" أمر من شفع يشفع.

قوله: "لست هناك" أي: ليس لي هذه المرتبة والمنزلة، هكذا رواية الأكثرين في الموضعين، وفي رواية أبي ذر عن السرخسي: هناكم.

قوله: "خطيئته التي أصاب" وهي أكل الشجرة.

قوله: "نوحا" بالتنوين منصرف لسكون أوسطه.

قوله: "فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض" قال الكرماني: مفهومه أن آدم - عليه السلام - ليس برسول، وأجاب بأنه لم يكن للأرض أهل وقت آدم، وهو مقيد بذلك، انتهى، قلت: كذا ذكر صاحب التوضيح السؤال والجواب، وهو في الحقيقة من كلام ابن بطال، وكذا قاله الداودي، ثم قال ابن بطال: فإن قيل: لما تناسل منه ولده وجب أن يكون رسولا إليهم، قيل: لما أهبط آدم - عليه السلام - إلى الأرض علمه الله أحكام دينه وما يلزمه من طاعة ربه، ولما حدث ولده بعده حملهم على دينه وما هو عليه من شريعة ربه، كما أن الواحد منا إذا ولد له ولد يحمله على سنته وطريقته، ولا يستحق بذلك أن يسمى رسولا، وإنما سمي نوح رسولا; لأنه بعث إلى قوم كفار ليدعوهم إلى الإيمان، قلت: لقائل أن يقول: إن قابيل لما قتل هابيل وهرب من آدم وعصى عليه ومعه أولاده، فآدم دعاهم إلى الطاعة وإلى دينه، فهذا يطلق عليه أنه أرسل إليهم، فإذا صح هذا يحتاج إلى جواب شاف في الوجه بين هذا وبين قوله: " - عليه السلام - "فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض" وهنا شيء آخر، وهو أن أهل التاريخ ذكروا أن إدريس - عليه السلام - جد نوح، فإن صح أن إدريس رسول لم يصح قولهم إنه قبله، وإلا احتمل أن يكون إدريس غير مرسل.

قوله: "ويذكر خطيئته التي أصاب" وهي دعوته: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا .

قوله: "خطاياه" وخطايا إبراهيم - عليه السلام - كذباته الثلاث إني سقيم و بل فعله كبيرهم و (إنها أختي) أي: سارة - عليها السلام -.

قوله: "وكلمته" لوجوده بمجرد قول "كن".

قوله: "وروحه" لنفخ الروح في مريم عليها السلام.

قوله: "فيؤذن لي" وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: ويؤذن لي بالواو.

قوله: "فيدعني" أي: يتركني.

قوله: "ارفع " أي: رأسك يا محمد.

قوله: "وقل يسمع" بالياء آخر الحروف في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني بالتاء المثناة من فوق.

قوله: "وسل تعطه" وفي رواية أبي ذر عن المستملي: "تعط" بلا هاء في الموضعين.

قوله: "واشفع تشفع" أي: تقبل شفاعتك.

قوله: "فيحد لي حدا" أي: يعين لي قوما مخصوصين للتخليص، وذلك إما بتعيين ذواتهم وإما ببيان صفاتهم.

قوله: "إلا من حبسه القرآن" إسناد الحبس إليه مجاز، يعني من حكم الله في القرآن بخلوده وهم الكفار، قال الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ونحوه، قيل: أول الحديث يشعر بأن هذه الشفاعة في العرصات لخلاص جميع أهل الموقف من أهواله، وآخره يدل على أنها للتخليص من النار، وأجيب بأن هذه شفاعات متعددة، فالأولى لأهوال الموقف، وهو المستفاد من: يؤذن لي عليه.

قوله: "قال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - " هو موصول بالإسناد الأول، وليس بإرسال ولا تعليق.

قوله: "من الخير" من الإيمان.

قوله: "ما يزن" أي: ما يعدل.

قوله: "ذرة" بفتح الذال المعجمة.

وفي الحديث بيان فضيلة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - حيث أتى بما خاف منه غيره، وفيه شفاعته لأهل الكبائر من أمته خلافا للمعتزلة والقدرية والخوارج فإنهم ينكرونها، وفيه الدلالة على وقوع الصغائر منهم، نقله ابن بطال عن أهل السنة، وأطبقت المعتزلة والخوارج على أنه لا يجوز وقوعها منهم.

قلت: أنا على قولهم في هذه المسألة خاصة.

التالي السابق


الخدمات العلمية