صفحة جزء
6982 قال أبو العالية: استوى إلى السماء ارتفع فسواهن خلقهن.


أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، سمع ابن عباس، وقال الكرماني: أبو العالية بالمهملة والتحتانية كنية لتابعيين بصريين راويين عن ابن عباس اسم أحدهما رفيع مصغر رفع ضد الخفض، واسم الآخر زياد بالتحتانية الخفيفة، انتهى، قلت: لم يعين أيهما، قال: استوى إلى السماء: ارتفع، وكذلك غيره من الشراح أهمل ولم يبين، والظاهر أنه رفيع لشهرته أكثر من زياد ولكثرة روايته عن ابن عباس، والتعليق المذكور وصله الطبري: عن محمد بن أبان، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن أبي العالية، وقد اختلف العلماء في معنى الاستواء، فقالت المعتزلة: بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة، كما في قول الشاعر:


قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

بمعنى قهر وغلب، وأنكر عليهم بأنه لا يقال استولى إلا إذا لم يكن مستوليا، ثم استولى، والله - عز وجل - لم يزل مستوليا قاهرا غالبا، وقال أبو العالية: معنى استوى ارتفع، وفيه نظر; لأنه لم يصف به نفسه، وقالت المجسمة: معناه استقر، وهو فاسد; لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي، وهو محال في حق الله تعالى، واختلف أهل السنة فقال بعضهم: معناه ارتفع مثل قول أبي العالية، وبه قال أبو عبيدة والفراء وغيرهما، وقال بعضهم: معناه ملك وقدر، وقال بعضهم: معناه علا، وقيل: معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى: ولما بلغ أشده واستوى فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء، وقيل: إن على في قوله: على العرش بمعنى إلى، فالمراد على هذا انتهى إلى العرش، أي: فيما يتعلق بالعرش; لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، والصحيح تفسير استوى بمعنى علا كما قاله مجاهد على ما يأتي الآن، وهو المذهب الحق وقول معظم أهل السنة; لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي.

واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل، فمن قال معناه علا قال: هي صفة ذات، ومن قال غير ذلك قال: هي صفة فعل.

قوله: "فسواهن خلقهن" هو من كلام أبي العالية أيضا.

قوله: "خلقهن" كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فسوى خلق، والمنقول عن أبي العالية بلفظ: فقضاهن، كما أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء قال: ارتفع، وفي قوله: فقضاهن خلقهن، والذي وقع فسواهن تغيير، وفي تفسير سوى بخلق نظر; لأن في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى: الذي خلق فسوى

التالي السابق


الخدمات العلمية