صفحة جزء
7002 وقال حجاج بن منهال: حدثنا همام بن يحيى، حدثنا قتادة، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، لتشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيقول: لست هناكم، قال ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا [ ص: 131 ] نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم ويذكر ثلاث كلمات كذبهن، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا، قال فيأتون موسى فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، قتله النفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته، قال فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثانية، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وسمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود، قال ثم تلا هذه الآية: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم.


حجاج بن منهال أحد مشايخ البخاري، ولم يقل: "حدثنا" لأنه إما أنه سمعه منه مذاكرة لا تحميلا، وإما أنه كان عرضا ومناولة، وهكذا وقع عند جميع الرواة إلا في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري فقال فيها: حدثنا حجاج، وكلهم ساقوا الحديث كله إلا النسفي، فساق منه إلى قوله: "خلقك الله بيده" ثم قال: فذكر الحديث، ووقع لأبي ذر عن الحموي نحوه، لكن قال: وذكر هذا الحديث بطوله بعد قوله: "حتى يهموا بذلك" ونحوه للكشميهني.

والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كامل، وهمام بتشديد الميم ابن يحيى بن دينار المحلي أبي عبد الله البصري، وقد مضى أكثر شرحه.

قوله: "حتى يهموا" من الوهم، ويروى بتشديد الميم من الهم بمعنى القصد والحزن معروفا ومجهولا، وفي صحيح مسلم "يهتموا" أي: يعتنوا بسؤال الشفاعة وإزالة الكرب عنهم.

قوله: "لو استشفعنا" جواب لو محذوف، أو هو للتمني.

قوله: "فيريحنا" بضم الياء من الإراحة.

قوله: "لست أهلا لذلك" وليس لي هذه المنزلة.

قوله: "التي أصاب" أي: التي أصابها.

قوله: "أكله " منصوب بأنه بدل من الخطيئة أو بيان لها، أو بفعل مقدر، نحو يعني أكله، ويروى [ ص: 132 ] " ويذكر أكله" بحذف لفظ الخطيئة التي أصاب.

قوله: "ائتوا نوحا" أول نبي بعثه الله قيل: يلزم منه أن يكون آدم غير نبي، وأجيب اللازم ليس كذلك، بل كان نبيا لكن لم يكن أهل أرض يبعث إليهم، وقد مر الكلام فيه عن قريب.

قوله: "سؤاله ربه" أي: دعاءه بقوله: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا قوله: "ثلاث كلمات" وهي قوله: إني سقيم و بل فعله كبيرهم وهذه أختي. وهذه رواية المستملي، وفي رواية غيره "ثلاث كذبات".

قال القاضي: هذا يقولونه تواضعا وتعظيما لما يسألونه، وإشارة إلى أن هذا المقام لغيرهم، ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ويكون إحالة كل واحد منهم على الآخر ليصل بالتدريج إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم؛ إظهارا لفضيلته، وكذلك إلهام الناس لسؤالهم عن آدم عليه الصلاة والسلام.

قوله: "في داره" أي: جنته، والإضافة للتشريف كبيت الله وحرم الله، أو الضمير راجع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على سبيل الالتفات. قاله الكرماني وفيه تأمل.

قوله: "ارفع محمد" يعني ارفع رأسك يا محمد.

قوله: "يسمع" على صيغة المجهول مجزوم; لأنه جواب الأمر.

قوله: "اشفع" أمر من شفع يشفع شفاعة، وتشفع على صيغة المجهول بتشديد الفاء، ومعناه تقبل شفاعتك.

قوله: "وسل" أمر من سأل و"تعط" على صيغة المجهول جواب الأمر.

قوله: "فيحد لي حدا" أي: يعين لي طائفة معينة.

قوله: "فأخرج" أي: من داره "فأخرجهم" من الإخراج "وأدخلهم" من الإدخال.

قوله: "قال قتادة" هو الراوي المذكور وهو متصل بالسند المذكور.

قوله: "فأخرج وأخرجهم " أي: أخرج من الدار وهو بفتح الهمزة " وأخرجهم" بضم الهمزة من الإخراج. قوله: أي وجب عليه أي: بنص القرآن وهو قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به وهم الكفار.

قوله: "وعده" أي: حيث قال: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وهذا هو إشارة إلى الشفاعة الأولى التي لم يصرح بها في الحديث، ولكن السياق وسائر الروايات تدل عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية