صفحة جزء
64 وقال أنس : نسخ عثمان المصاحف فبعث بها إلى الآفاق .
أنس هو ابن مالك الصحابي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعثمان هو ابن عفان أحد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، والمصاحف - بفتح الميم - جمع مصحف ، ويجوز في ميمه الحركات الثلاث ، عن ثعلب قال : الفتح لغة صحيحة فصيحة . وقال الفراء : قد استثقلت العرب الضمة في حروف وكسروا ميمها وأصلها الضم ; من ذلك مصحف ومخدع ومطرف ومغزل [ ص: 25 ] ومجسد ; لأنها مأخوذة في المعنى من أصحفت أي جمعت فيه الصحف ، وأطرف أي جعل في طرفيه علما ، وأجسد أي ألصق بالجسد ، وكذلك المغزل إنما هو أدير وفتل . وقال أبو زيد : تميم تقول بكسر الميم ، وقيس تقول بضمها . ثم قلنا : إن المصحف ما جمعت فيه الصحف ، والصحف بضمتين جمع صحيفة ، والصحيفة الكتاب ، قال الله تعالى : صحف إبراهيم وموسى يعني الكتب التي أنزلت عليهما ، وأصل التركيب يدل على انبساط في الشيء وسعة ، ثم هذا الذي ذكره البخاري من قوله " قال أنس : نسخ عثمان المصاحف " قطعة من حديث لأنس رضي الله عنه ، ذكره البخاري في فضائل القرآن عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي الله عنه وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية ، وفيه " ففزع حذيفة من اختلافهم في القراءة ، فقال لعثمان رضي الله عنه : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ! فأرسل عثمان إلى حفصة رضي الله عنها أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ! فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم فنسخوها في المصاحف " ، وفيه " حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا " ، وفي غير البخاري أن عثمان رضي الله عنه بعث مصحفا إلى الشام ومصحفا إلى الحجاز ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين وأبقى عنده مصحفا ليجتمع الناس على قراءة ما يعلم ويتيقن . وقال أبو عمرو الداني : أكثر العلماء على أن عثمان كتب أربع نسخ ، فبعث إحداهن إلى البصرة وأخرى إلى الكوفة وأخرى إلى الشام ، وحبس عنده أخرى . وقال أبو حاتم السجستاني : كتب سبعة ; فبعث إلى مكة واحدا ، وإلى الشام آخر ، وإلى اليمن آخر ، وإلى البحرين آخر ، وإلى البصرة آخر ، وإلى الكوفة آخر . ودلالة هذا على تجويز الرواية بالمكاتبة ظاهرة ; فإن عثمان رضي الله عنه أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها ، والمستفاد من بعثة المصاحف إنما هو قبول إسناد صورة المكتوب بها لا أصل ثبوت القرآن ; فإنه متواتر .

التالي السابق


الخدمات العلمية