صفحة جزء
749 170 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه


قال ابن المنير : مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين ، والقول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر ، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك ، قلت : المطلق يتناول الجهر والإخفاء وتخصيصه بالجهر والحمل عليه تحكم لا يجوز ، وقال ابن رشيد : تؤخذ المناسبة من جهة أنه قال : إذا قال الإمام فقولوا ، فقابل القول بالقول ، والإمام إنما قال ذلك جهرا ، فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ، قلت : هذا أبعد من الأول وأكثر تعسفا لأن ظاهر الكلام أن لا يقولها الإمام كما روي عن مالك لأنه قسم ، والقسمة تنافي الشركة ، وقوله : إنما قال ذلك جهرا لا يدل عليه معنى الحديث [ ص: 53 ] أصلا فكيف يقول فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ، والحديث لا يدل على ذات التأمين من الإمام ، فكيف يطلب الاتفاق في الصفة وهي مبنية على الذات ؟ وقال ابن بطال : قد تقدم أن الإمام يجهر ، وتقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء به ، فلزم من ذلك جهره بجهره ، قلت : هذا أبعد من الكل ، والملازمة ممنوعة ، فعلى ما قاله يلزم أن يجهر المأموم بالقراءة ولم يقل به أحد ، والكرماني أيضا ذكر هذا الوجه فكأنه أخذه من ابن بطال فبطل عليه ، ويمكن أن يوجه وجه لمناسبة الحديث للترجمة وهو أن يقال أما ظاهر الحديث فإنه يدل على أن المأموم يقولها ، وهذا لا نزاع فيه ، وأما أنه يدل على جهره بالتأمين فلا يدل ولكن يستأنس له بما ذكره قبل ذلك ، وهو قوله : " أمن ابن الزبير " إلى قوله : " خيرا " .

ذكر رجاله : وهم خمسة ، قد مضى ذكرهم غير مرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، وأبو صالح ذكوان الزيات .

ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم مدنيون .

ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : قد ذكرنا في باب جهر الإمام والناس بالتأمين أن مسلما وأبا داود والترمذي والنسائي أخرجوه ، وكذلك ذكرنا جميع ما يتعلق به هناك ، وقال الخطابي : هذا لا يخالف ما قال : إذا أمن الإمام فأمنوا لأنه نص بالتعيين مرة ودل بالتقدير أخرى ، فكأنه قال : إذا قال الإمام ولا الضالين وأمن فقولوا آمين ، ويحتمل أن يكون الخطاب في حديث أبي صالح ، يعني حديث هذا الباب لمن تباعد من الإمام ، فكان بحيث لا يسمع التأمين لأن جهر الإمام به أخفض من قراءته على كل حال ، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه إذا كثرت الصفوف وتكاثفت الجموع ، قلت : ذكر الخطابي الوجهين المذكورين بالاحتمال الذي لا يدل عليه ظاهر ألفاظ الحديثين ، فإن كان يؤخذ هذا بالاحتمال فنحن أيضا نقول : يحتمل أن الجهر فيه لأجل تعليمه الناس بذلك ; لأنا لا ننازع في استحباب التأمين للإمام وللمأموم أيضا ، وإنما النزاع في الجهر به ، فنحن اخترنا الإخفاء لأنه دعاء ، والسنة في الدعاء الإخفاء ، والدليل على أنه دعاء : قوله تعالى في سورة يونس : قد أجيبت دعوتكما قال أبو العالية وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن موسى : كان موسى صلى الله عليه وسلم يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما الله تعالى داعيين ، فإذا ثبت أنه دعاء فإخفاؤه أفضل من الجهر به ، لقوله تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية على أنا ذكرنا أخبارا وآثارا فيما مضى تدل على الإخفاء ، فإن قلت : تظاهرت الأحاديث بالجهر ، منها ما رواه الطبري في التهذيب من حديث علي رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال ولا الضالين قال آمين ومد بها صوته " ومنها ما روى ابن ماجه أيضا " عن علي رضي الله تعالى عنه ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين قال آمين " ومنها ما رواه البيهقي في المعرفة " عن ابن أم الحصين ، عن أمه أنها صلت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول آمين ، وهي في صف النساء " قلت : كذلك تظاهرت الآثار بالإخفاء كما ذكرنا ، وحديث الطبري فيه ابن أبي ليلى ، وهو ممن لا يحتج به ، والمعروف عنه أيضا بخلافه ، وحديث ابن ماجه أيضا ، قال البزار في سننه : هذا حديث لم يثبت من جهة النقل ، وحديث أم الحصين يعارضه حديث وائل " أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ولا الضالين قال آمين ، وخفض بها صوته " والرجال أدرى بحال النبي صلى الله عليه وسلم من النساء ، وقال النووي : في هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام لا بعده ، قلت : بل الأمر بالعكس لأن الفاء في الأصل للتعقيب ، وقال أيضا : وأولوا إذا أمن بأن معناه إذا أراد التأمين جمعا بين الحديثين ، قلت : لا خلاف بين الحديثين حتى يحتاج إلى هذا التأويل الذي هو خلاف الظاهر ; لأن كلا منهما ورد في حالة ; لأنه في حالة أمر المأموم بالتأمين وسكت عن تأمين الإمام ، وفي حالة بين أن الإمام أيضا يؤمن ، والمقصود استحباب التأمين للإمام وللمأموم ، وثبت ذلك بالحديثين المذكورين فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية