صفحة جزء
باب العلم قبل القول والعمل ; لقوله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله - فبدأ بالعلم
أي : هذا باب في بيان أن العلم قبل القول والعمل ; أراد أن الشيء يعلم أولا ثم يقال ويعمل به ، فالعلم مقدم عليهما بالذات ، وكذا مقدم عليهما بالشرف لأنه عمل القلب وهو أشرف أعضاء البدن . وقال ابن بطال : العمل لا يكون إلا مقصودا - يعني متقدما ، وذلك المعنى هو علم ما وعد الله عليه بالثواب . وقال ابن المنير : أراد أن العلم شرط في صحة القول والعمل ، فلا يعتبران إلا به ، فهو متقدم عليهما لأنه مصحح النية المصححة للعمل ، فنبه البخاري على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا يفيد إلا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه .

قوله " فبدأ بالعلم " ; أي بدأ الله تعالى بالعلم أولا حيث قال : فاعلم أنه لا إله إلا الله - ثم قال : واستغفر لذنبك . والاستغفار إشارة إلى القول والعمل ، والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته ، وقال الزجاج : هو متعلق بمحذوف . المعنى : قد بينا وقلنا ما يدل على أن الله تعالى واحد ، فاعلم ذلك ، والنبي عليه الصلاة والسلام قد علم ذلك ، ولكنه خطاب يدخل الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، كقوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن - والمعنى من علم فليقم على ذلك العلم ، كقوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم أي ثبتنا . وقيل : يتعلق بما قبله ، والمعنى إذا جاءتهم الساعة فاعلم أن لا ملك ولا حكم لأحد إلا لله ، ويبطل ما عداه . وسئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله تعالى حين بدأ به فقال " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " ؟ فأمره بالعمل بعد العلم .

ويعلم من الآية أن التوحيد مما يجب العلم به ولا يجوز فيه تقليد ، وقال الأكثرون يكفي الاعتقاد الجازم وإن لم يعرف الأدلة ، وهذا هو المعروف من سيرة السلف ومذهب أكثر المتكلمين أن إيمان المقلد في أصول الدين غير صحيح . وقال محيي السنة : يجب على كل مكلف معرفة علم الأصول ، ولا يسع فيه التقليد لظهور دلائله .

فإن قلت : ما وجه المناسبة بين البابين ؟ قلت : من حيث إن المذكور في الباب الأول هو حال المبلغ والسامع ، والمبلغ بكسر اللام والمبلغ بفتحها لا يقدران على التعليم والتعلم إلا بالعلم ، وهذا الباب في بيان العلم قبل القول والعمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية