صفحة جزء
793 ( وكانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل ، وكانت فقيهة ) .


اسم أم الدرداء خيرة بنت أبي حدرد ، وقيل : هجيمة ، وقد تقدمت في باب ( فضل صلاة الفجر من الجماعة وأثرها ) الذي علقه البخاري ، وصله ابن أبي شيبة عن وكيع ، عن ثور ، عن مكحول أن أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة كجلسة الرجل ، قيل : يفهم من رواية ابن أبي شيبة أن أم الدرداء هذه هي الصغرى التابعية ، لا أم الدرداء الكبرى الصحابية ; لأن مكحولا أدرك الصغرى دون الكبرى . ( قلت ) : قال ابن الأثير : قد جعل ابن منده وأبو نعيم خيرة أم الدرداء الكبرى وهجيمة واحدة ، وليس كذلك ; فإن الكبرى اسمها خيرة ، وأم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة ، الكبرى لها صحبة ، والصغرى لا صحبة لها ، هذا هو الصحيح ، وما سواه وهم . قلت : إطلاق البخاري أم الدرداء هاهنا من غير تعيين يحتمل الكبرى والصغرى ، ولكن احتمال الكبرى يقوى بقوله " وكانت فقيهة " .

ثم قوله : “ وكانت فقيهة " هل هو من كلام البخاري أو غيره ؟ فقال صاحب ( التلويح ) : القائل " وكانت فقيهة " هو البخاري فيما أرى ، وقال صاحب ( التوضيح ) : الظاهر أنه قول البخاري ، وقال بعضهم : ليس كما قال ، وشيد كلامه بأن الدليل إذا كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به ، وإن لم يحتج به بمجرده ، وقد عرف من رواية مكحول أن المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية ; لأن مكحولا لم يدرك الكبرى ، وإنما أدرك الصغرى . قلت : عبارة البخاري تحتمل الأمرين ، ولكن الظاهر أنها الكبرى ، كما قال صاحب ( التلويح ) و ( التوضيح ) .

قوله " جلسة الرجل " بكسر الجيم ; لأن الفعلة بالكسر إنما هي للنوع ، فدل هذا على أن المستحب للمرأة أن تجلس في التشهد كما يجلس الرجل ، وهو أن ينصب اليمنى ويفترش اليسرى . وبه قال النخعي وأبو حنيفة ومالك ، ويروى عن أنس كذلك . وعن مالك أنها تجلس على وركها الأيسر ، وتضع فخذها الأيمن على الأيسر ، وتضم بعضها إلى بعض قدر طاقتها ، ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس ، بخلاف الرجل ، وقال قوم : تجلس كيف شاءت إذا تجمعت . وبه قال عطاء والشعبي ، وكانت صفية رضي الله تعالى عنها تصلي متربعة ، ونساء ابن عمر كن يفعلنه ، وقال بعض السلف : كن النساء يؤمرن أن يتربعن إذا جلسن في الصلاة ، ولا يجلسن جلوس الرجال على أوراكهن ، وقال عطاء وحماد : تجلس كيف تيسر .

التالي السابق


الخدمات العلمية