صفحة جزء
794 214 - حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن خالد ، عن سعيد ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء . وحدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد الساعدي : أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ، ثم هصر ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه ، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ، ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته .


مطابقته للترجمة في قوله : " إذا جلس في الركعتين " إلى آخره .

( ذكر رجاله ) :

وهم تسعة : الأول : يحيى بن بكير بضم الباء الموحدة ، هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المصري . الثاني : الليث بن سعد . الثالث : خالد بن يزيد الجمحي المصري . الرابع : سعيد بن أبي هلال الليثي المدني . الخامس : محمد بن عمرو بن حلحلة - بفتح المهملتين وسكون اللام الأولى - الديلي المدني . السادس : محمد بن عمرو بن عطاء بن عياش القرشي العامري المدني . السابع : يزيد - من الزيادة - ابن أبي حبيب أبو رجاء المصري ، واسم أبي حبيب سويد . الثامن : يزيد بن محمد القرشي . التاسع : أبو حميد الساعدي الأنصاري المدني ، اسمه عبد الرحمن ، وقيل : المنذر .

( ذكر لطائف إسناده ) :

فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في سبعة مواضع ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن رواته ما بين مصريين ومدنيين ، فالثلاثة الأول منهم مصريون ، فكذلك السابع ، والبقية مدنيون ، وفيه أن خالدا من أقران شيخه . وفيه إسنادان ; أحدهما عن الليث ، عن خالد ، والآخر عن الليث ، عن يزيد ابن أبي حبيب . وفيه أن بين الليث وبين محمد بن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين ، وبينهما في الرواية الثانية واسطة واحدة ، وفيه أن يزيد ابن أبي حبيب من صغار التابعين ، وفيه إرداف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث ، وفيه أن يزيد بن محمد من أفراد البخاري ، وفيه أن الليث في الرواية الثانية يروي عن شيخين ، كلاهما عن محمد بن عمرو بن حلحلة .

( ذكر من أخرجه غيره )

أخرجه أبو داود أيضا في الصلاة ، عن أحمد بن حنبل . وعن مسدد . وعن قتيبة ، عن ابن لهيعة . وعن عيسى بن إبراهيم المصري . وأخرجه الترمذي فيه عن ابن المثنى وابن بشار . وعن ابن بشار والحسن بن علي الخلال . وأخرجه النسائي فيه عن ابن بشار ، عن يحيى به . وعن يعقوب بن إبراهيم . وأخرجه ابن ماجه ، عن بندار ، عن أبي بكر ابن أبي شيبة وعلي بن محمد .

( ذكر معناه ) :

قوله : “ قال : وحدثنا " قائله هو يحيى بن بكير المذكور . قوله : " في نفر " وفي رواية كريمة " مع نفر " بفتحتين ، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال ، خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، ولا واحد له من لفظه ، وقال ابن الأثير : النفر رهط الإنسان وعشيرته . قوله : " من أصحاب رسول الله " كلمة " من " في محل الحال من " نفر “ أي حال كونهم من أصحاب [ ص: 104 ] رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولفظ " النفر " يدل على أنهم كانوا عشرة ، يدل عليه أيضا رواية أبي داود وغيره عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - . ( فإن قلت ) : أبو حميد من العشرة أو خارج منهم ؟ ( قلت ) : يحتمل الوجهين بالنظر إلى رواية " في عشرة " وإلى رواية " مع عشرة " ، وكان من جملة العشرة أبو قتادة الحارث بن ربعي في رواية أبي داود والترمذي ، وسهل بن سعد ، وأبو أسيد الساعدي محمد بن سلمة في رواية أحمد وغيره ، وأبو هريرة في رواية أبي داود .

قوله : “ أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، وفي رواية أبي داود " قالوا : فلم ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ، ولا أقدمنا له صحبة " ، وفي رواية الترمذي " إتيانا ، ولا أقدمنا له صحبة " ، وفي رواية الطحاوي من حديث العباس بن سهل ، عن أبي حميد الساعدي أنه كان يقول لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أعلمكم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : من أين ؟ قال : رقبت ذلك منه ، حتى حفظت صلاته " ، وفي رواية أخرى له " أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : وكيف ؟ فقال : اتبعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : أرنا قال : فقام يصلي وهم ينظرون " وزاد عبد الحميد بن جعفر في روايته " قالوا : فأعرض " ، وفي روايته عند ابن حبان " استقبل القبلة ، ثم قال : الله أكبر " وزاد فليح بن سليمان في روايته عند ابن خزيمة فيه ذكر الوضوء .

قوله : “ فجعل يديه حذو منكبيه " زاد ابن إسحاق ، " ثم قرأ بعض القرآن " . قوله : " ثم هصر ظهره " بفتح الهاء والصاد المهملة ، أي أماله في استواء من غير تقويس ، وأصل الهصر أن تأخذ رأس العود ، فتثنيه إليك وتعطفه ، وفي ( الصحاح ) : الهصر الكسر ، وقد هصره وأهصره واهتصره بمعنى ، وهصرت الغصن وبالغصن إذا أخذت برأسه وأملته ، والأسد هيصر وهيصار ، وفي رواية أبي داود " ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ، ولا صافح بخده " .

قوله : “ غير مقنع " من الإقناع يعني لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره ، وقال ابن عرفة : يقال : أقنع رأسه إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، وجعل طرفه موازيا لما بين يديه . قوله : " ولا صافح بخده “ أي غير مبرز بصفحة خده ولا مائل في أحد الشقين .

قوله : “ فإذا رفع رأسه استوى " زاد عيسى عند أبي داود " فقال : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه " ونحوه لعبد الحميد ، وزاد " حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا " .

قوله : “ حتى يعود كل فقار " بفتح الفاء والقاف وبعد الألف راء جمع فقارة ، وهي عظام الظهر ، وقال ابن قرقول : جاء عند الأصيلي هنا " فقار " بفتح الفاء وكسرها ، ولا أعلم لذلك معنى ، وعند ابن السكن " فقار " بكسر الفاء ولغيره " فقار " وهو الصواب ، وقال ابن التين : هو الصحيح ، وهو الذي رويناه ، وروينا في رواية أبي صالح عن الليث " قفار " بتقديم القاف وكسرها ، وليس ببين ; لأنه جمع قفر وهي المفازة ، وفي ( الجامع ) للقزاز : الفقرة بكسر الفاء والفقارة بفتحها إحدى فقار الظهر وهي العظام المنتظمة التي يقال لها : خرز الظهر ، فجمع الفقارة فقار ، وجمع الفقرة فقر ، وقالوا : أفقرة يريدون جمع فقار ، كما تقول : قذال وأقذلة ، وفي ( المحكم ) : الفقر والفقرة ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب ، والجمع فقر وفقار ، وقال ابن الأعرابي : أقل فقر البعير ثمان عشرة ، وأكثرها إحدى وعشرون ، وفقار الإنسان سبع ، وفي ( نوادر ) ابن الأعرابي رواية عن ثعلب : فقار الإنسان سبع عشرة ، وأكثر فقر البعير ثلاث وعشرون ، وفي ( المخصص ) : الفقر ما بين كل مفصلين ، وقيل : الفقار أطراف رؤوس الفقر ، وكل فقرة خرزة ، وفي ( أمالي أبي إسحاق الزجاجي ) : هن سبع أمهات غير الصغار التوابع ، وفي ( كتاب الفصوص ) لصاعد : هن أربع وعشرون ; سبع منها في العنق ، وخمس منها في الصلب ، واثنتا عشرة وهي الأضلاع ، وقال الأصمعي : هن خمس وعشرون فقرة .

قوله : “ غير مفترش “ أي غير مفترش يديه ، وفي رواية ابن حبان من رواية عتبة بن أبي الحكم ، عن عباس بن سهل " غير مفترش ذراعيه " ، وفي رواية الطحاوي " وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه ، ولا مفترش ذراعيه " .

قوله : “ ولا قابضهما " أي ولا قابض يديه ، وهو أن يضمهما إليه ، وفي رواية فليح بن سليمان " ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع يديه حذو منكبيه " ، وفي رواية ابن إسحاق " فاعلولى على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه ، حتى رأيت بياض إبطيه وما تحت منكبيه ، ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه ، ثم رفع رأسه فاعتدل " .

قوله : “ فإذا جلس في الركعتين “ أي الركعتين الأوليين ليتشهد ، وفي رواية الطحاوي " ثم جلس فافترش رجله اليسرى ، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى ، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى ، وأشار بأصبعه " ، وفي رواية عيسى بن عبد الله " ثم جلس بعد [ ص: 105 ] الركعتين ، حتى إذا هو أراد أن ينتهض إلى القيام قام بتكبيرة " . ( فإن قلت ) : هذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال : " ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة " . ( قلت ) : التوفيق بينهما بأن يقول معنى قوله : " إذا قام “ أي إذا أراد القيام أو شرع فيه .

قوله : “ فإذا جلس في الركعة الآخرة " إلى آخره في رواية عبد الحميد " حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم " ، وفي رواية عند ابن حبان " التي تكون عند خاتمة الصلاة أخر رجله اليسرى ، وقعد متوركا على شقه الأيسر " زاد ابن إسحاق في روايته " ثم سلم " ، وفي رواية عيسى عند الطحاوي " فلما سلم سلم عن يمينه : سلام عليكم ورحمة الله . وعن شماله أيضا السلام عليكم ورحمة الله " ، وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره قالوا - أي الصحابة المذكورون - " صدقت ، هكذا كان يصلي " .

( ذكر ما يستفاد منه ) :

احتج الشافعي رضي الله تعالى عنه ، ومن قال بقوله أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في التشهد الأخير ، وقد ذكرنا عن قريب اختلاف العلماء فيه ، وقال الطحاوي : القعود في الصلاة كلها سواء ، وهو أن ينصب رجله اليمنى ويفترش رجله اليسرى فيقعد عليها ، ثم ذكر الاحتجاج في هذا بحديث وائل بن حجر الحضرمي قال : " صليت خلف النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقلت : لأحفظن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى ، ثم قعد عليها ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ، ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم عقد أصابعه ، وجعل حلقة بالإبهام والوسطى ، ثم جعل يدعو بالأخرى " . وأخرجه الطبراني أيضا . ( قلت ) : هذا الذي ذكره هو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد . وبه قال الثوري وعبد الله بن المبارك وأحمد في رواية . ( فإن قلت ) : لا يتم الاستدلال للحنفية بالحديث المذكور ; لأنه لم يذكر فيه إلا أنه فرش رجله اليسرى فقط . قلت : كثر الخلاف فيه فاكتفي بهذا المقدار ، وأما نصب رجله اليمنى فقد ذكره ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) : حدثنا ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه " عن وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس ، فثنى اليسرى ونصب اليمنى " يعني في الصلاة وحديث عائشة أيضا ، وقد تقدم عن قريب . ( فإن قلت ) : من أين علم أن المراد من قوله " فلما قعد للتشهد افترش رجله اليسرى ، ثم قعد عليها " وهي القعدة الأخيرة ؟ قلت : علم من قوله : " ثم جعل يدعو " أن الدعاء في التشهد لا يكون إلا في آخر الصلاة ، ثم أجاب الطحاوي عن حديث أبي حميد الذي احتج به الشافعي وغيره بما ملخصه : أن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع هذا الحديث من أبي حميد ، ولا من أحد ذكر مع أبي حميد ، وبينهما رجل مجهول . ومحمد بن عمرو ذكر في الحديث أنه حضر أبو قتادة وسنه لا يحتمل ذلك ، فإن أبا قتادة قتل قبل ذلك بدهر طويل ; لأنه قتل مع علي رضي الله تعالى عنه ، وصلى عليه علي ، وقد رواه عطاف بن خالد ، عن محمد بن عمرو فجعل بينهما رجلا ، ثم أخرجه عن يحيى بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا عطاف بن خالد ، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء " حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوسا " فذكر نحو حديث أبي عاصم سواء ، فإن ذكروا تضعيف عطاف قيل لهم : وأنتم تضعفون عبد الحميد بن جعفر أكثر من تضعيفكم لعطاف ، مع أنكم لا تطرحون حديث عطاف كله ، إنما تصححون قديمه وتتركون حديثه . هكذا ذكره ابن معين في كتابه ، وابن أبي مريم سماعه من عطاف قديم جدا ، وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعا لمحمد بن عمرو من أبي حميد إلا عبد الحميد ، وهو عندكم أضعف ، وقد اعترض بعضهم بأنه لا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة إما لزيادة في الحديث ، وإما لتثبيت فيه ، وقد صرح محمد بن عمرو بسماعه . وإن أبا قتادة اختلف في وقت موته فقيل : مات سنة أربع وخمسين ، وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن . انتهى . قلت : هذا القائل أخذ كلامه هذا من كلام البيهقي ; فإنه ذكره في ( كتاب المعرفة ) والجواب عن هذا أن إدخال الواسطة إنما يصح إذا وجد السماع ، وقد نفى الشعبي سماعه ، وهو إمام في هذا الفن ، فنفيه نفي وإثباته إثبات ، ومبنى نفيه من جهة تاريخ وفاته أنه قال : قتل مع علي رضي الله تعالى عنه ، كما ذكرناه ، وكذا قال الهيثم بن عدي ، وقال ابن عبد البر : هو الصحيح .

وفيه رفع اليدين إلى المنكبين وإليه ذهب الشافعي وأحمد ، وقد قلنا : إنه كان للعذر ، وفيه أن سنة الهيئة في الركوع أن لا يرفع رأسه إلى فوق ، ولا ينكسه ، ومن هذا قال صاحب ( الهداية ) : ويبسط ظهره ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع بسط ظهره ، ولا يرفع رأسه [ ص: 106 ] ولا ينكسه ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع لا يصوب رأسه ، ولا يقنعه .

وفيه أن السنة أن يجافي بطنه عن فخذيه ، ويديه عن جنبيه . وفيه بيان هيئة الجلوس ، وقد بيناها مع الخلاف فيها مستوفى ، وفيه بيان توجيه أصابع رجليه نحو القبلة . وفيه جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب ، وأراد بيان ذلك عند غيره ممن سمعه ; لما في التعليم والأخذ عن الأعلم .

وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - وربما يذكره بعضهم إذا ذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية