صفحة جزء
795 ( باب من لم ير التشهد الأول واجبا ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من الركعتين ، ولم يرجع )


أي هذا باب في بيان حكم من لم ير التشهد الأول في الجلسة الأولى من الثلاثية أو الرباعية . والمراد من التشهد تشهد الصلاة ، وهو التحيات ، سمي تشهدا ; لأن فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وهو تفعل من الشهادة . ( فإن قلت ) : في التحيات أشياء غير التشهد ، فما وجه التخصيص بلفظ التشهد . ( قلت ) : لشرفه على غيره ; من حيث إنه كلام به يصير الشخص مؤمنا ، ويرتفع عنه السيف ، وينتظم في سلك الموحدين الذي به النجاة في الدنيا والآخرة . والبخاري ممن يرى عدم وجوب التشهد الأول ، وفي ( التوضيح ) : أجمع فقهاء الأمصار أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق والليث وأبو ثور على أن التشهد الأول غير واجب ، حاشا أحمد ; فإنه أوجبه ، كذا نقله ابن القصار . ونقله ابن التين أيضا عن الليث وأبي ثور ، وفي ( شرح الهداية ) : قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة ، وهو المختار والصحيح ، وقيل : سنة ، وهو الأقيس ، لكنه خلاف ظاهر الرواية .

[ ص: 107 ] وفي ( المغني ) : إن كانت الصلاة مغربا أو رباعية فهما واجبان فيهما على إحدى الروايتين ، وهو مذهب الليث وإسحاق ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعله وداوم عليه وأمر به في حديث ابن عباس بقوله : " قولوا التحيات لله " وجبره بالسجود حين نسيه ، وقال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وفي مسلم ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها " وكان يقول في كل ركعتين التحية " وللنسائي من حديث ابن مسعود مرفوعا " إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا : التحيات ... " الحديث وحديث المسيء وحديث رفاعة الذي مضى ، وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول : من لم يتشهد فلا صلاة له . وحجة الجمهور هو قوله : " لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من الركعتين " يعني قام إلى الثالثة وترك التشهد ، ولم يرجع إلى التشهد ، ولو كان واجبا لوجب عليه التدارك حين علم تركه ما أتى به ، بل جبره بسجود السهو ، وقال التيمي : سجوده ناب عن التشهد والجلوس ، ولو كانا واجبين لم ينب منابهما سجود السهو ، كما لا ينوب عن الركوع وسائر الأركان . واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين ، وكان التشهد فيها واجبا ، فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك . ( وأجيب ) بأن الزيادة لم تتعين في الأخريين ، بل يحتمل أن تكونا هما الفرض الأول ، والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما ، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان ، وفيه نظر لا يخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية