صفحة جزء
وقال جل ذكره : إنما يخشى الله من عباده العلماء
هذا في المعنى عطف على قوله " لقول الله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله " ; المعنى : إنما يخاف الله من عباده العلماء ، أي من علم قدرته وسلطانه وهم العلماء - قاله ابن عباس ، وقال الزمخشري : المراد العلماء الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده وما يجوز عليه وما لا يجوز فعظموه وقدروه وخشوه حق خشيته ، ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ، ومن كان عالما به كان آمنا ، وفي الحديث : أعلمكم بالله أشدكم له خشية . وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم ! فقال : العالم من خشي الله ! وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت ، انتهى . وقرئ " إنما يخشى الله " برفع لفظة " الله " ونصب " العلماء " ، وهو قراءة عمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة رضي الله عنهما ; ووجه هذه القراءة أن الخشية فيها تكون استعارة ، والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم ، ومن لوازم الخشية التعظيم ، فيكون هذا من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم .

وفي أيام اشتغالي على الإمام العلامة أبي الروح شرف الدين عيسى السرماري في علمي التفسير والمعاني والبيان - تغمده الله برحمته - حضر شخص من أهل العلم وقت الدرس وسأله عن هذه الآية ، فقال : خشية الله تعالى مقصورة على العلماء بقضية الكلام ، وقد ذكر الله تعالى في آية أخرى أن الجنة لمن خشي ; وهو قوله تعالى : ذلك لمن خشي ربه - فيلزم من ذلك أن لا تكون الجنة إلا للعلماء خاصة . فسكت جميع من كان هناك من الفضلاء الأذكياء الذين كان كل منهم يزعم أنه المفلق في العلمين المذكورين ، فأجاب الشيخ رحمه الله أن المراد من العلماء الموحدون وأن الجنة ليست إلا للموحدين الذين يخشون الله تعالى .

فإن قلت : ما وجه إدخال هذه الآية في الترجمة ؟ قلت : هو ظاهر ; وذلك أن الباب في العلم والآية في مدح العلماء ، ولم يستحقوا هذا المدح إلا بالعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية