صفحة جزء
806 ( قال علي : حدثنا سفيان عن عمرو قال : كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس . قال علي : واسمه نافذ ) .


أشار البخاري رضي الله تعالى عنه بما نقله عن علي بن المديني ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار المذكورين قبله - أن حديث أبي معبد هذا لا يقدح في صحته لأجل ما روى أحمد في ( مسنده ) هذا الحديث ، ثم قال : وإنه - يعني أبا معبد - قال " بالتكبير " ، ثم ساقه به ، قال عمرو : قد ذكرت لأبي معبد فأنكره ، وقال : لم أحدثك بهذا ، قال عمرو : فقد أخبرنيه قبل ذلك ، وكذا وقع في رواية مسلم ، قال عمرو : ذكرت ذلك لأبي معبد بعد وأنكره ، وقال : لم أحدثك بهذا ، قال عمرو : وقد أخبرنيه قبل ذلك . قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان : كأنه نسيه بعد أن حدثه به . انتهى ، فهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ، ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا ، ولا شك أن عمرو بن دينار كان عدلا ، وكذا لا شك أن أبا معبد كان عدلا ، فلذلك قال عمرو فيما حكاه عنه البخاري بواسطة علي وسفيان : كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس .

قال الكرماني : ( فإن قلت ) : الصدق هو مطابقة الكلام للواقع على الصحيح ، وذلك لا يقبل الزيادة والنقصان . ( قلت ) : الزيادة إنما هي بالنسبة إلى إفراد الكلام ، يعني إفراد كلامه الصدق أكثر من إفراد كلام سائر الموالي . واعلم أن قوله : " وقال علي " إلى آخره - زيادة لم تثبت إلا في رواية المستملي والكشميهني . واعلم أيضا أن الراوي إذا أنكر روايته لا يخلو إما أن يكون إنكار جحود وتكذيب للفرع ، بأن قال : كذبت علي ، لم يعمل بهذا الخبر بلا خلاف بين الأئمة . أو يكون إنكار توقف ، لا إنكار تكذيب وجحود بأن قال : لا أذكر أني رويت ذلك هذا ، أو لا أعرفه ، فقد اختلف فيه ; فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد في رواية - إلى أنه يسقط العمل به كالوجه الأول ، وهو مختار الكرخي والقاضي أبي زيد وفخر الإسلام . وذهب محمد ومالك والشافعي إلى أنه لا يسقط العمل به ، ونسيان الأصل لا يقدح فيه ، كما لو جن أو مات ، وقيل : عدم الرواية بإنكار المروي عنه قول أبي يوسف ، وقال محمد : لا تسقط الرواية بإنكاره ، وهذا الخلاف بينهما فرع اختلافهما في شاهدين شهدا على القاضي بقضية ، والقاضي لا يذكر قضاءه ; فإنه يقبل عند محمد ، ولا يقبل عند أبي يوسف ، وذكر الإمام فخر الدين في ( المحصول ) في هذه المسألة تقسيما حسنا ، وهو أن راوي الفرع إما أن يكون جازما بالرواية أو لا ، فإن كان جازما فالأصل إما أن يكون جازما بالإنكار أو لا ، فإن كان الأول فقد تعارضا ، فلا يقبل الحديث ، وإن كان الثاني فإما أن يكون الأغلب على الظن أني رويته ، أو الأغلب أني ما رويته ، أو الأمران على السواء ، أو لا يقول شيئا من ذلك . فالأشبه أن يكون الخبر مقبولا في جميع هذه الأقسام ، وإن كان الفرع غير جازم ، بل يقول : أظن أني سمعت منك ، فإن جزم الأصل بأني ما رويته لك تعين الرد ، وإن قال : أظن أني ما رويته لك تعارضا ، وإن ذهب إلى سائر الأقسام فالأشبه قبوله . والضابط أنه إذا كان قول الأصل معادلا لقول الفرع تعارضا ، وإذا ترجح أحدهما على الآخر فالمعتبر الراجح .

التالي السابق


الخدمات العلمية