صفحة جزء
812 ( وقال لنا آدم : حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى في الفريضة ) .


قال الكرماني : قال لنا آدم ، ولم يقل حدثنا آدم ، لأنه لم يذكره لهم نقلا وتحميلا بل مذاكرة ومحاورة ، ومرتبته أحط درجة من مرتبة التحديث ، وقال بعضهم : هو محتمل لكنه ليس بمطرد ، لأني وجدت كثيرا مما قال فيه قال لنا في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدثنا ، انتهى .

قلت : الصواب ما ذكره الكرماني أنه من باب المذاكرة ، وهكذا قال صاحب التوضيح إنه من باب المذاكرة ، والكرماني ما ادعى الاطراد فيه حتى يكون هذا محتملا ، بل الظاهر منه أنه غير موصول ولا مسند ولا يلزم من قوله : " لأني وجدت كثيرا " ... إلى آخره أن يكون قد أسند أثر ابن عمر هذا في تصنيف آخر غيره بصيغة التحديث ، ولهذا قال صاحب التلويح : هذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه .

وقد اختلف العلماء في هذا الباب فأكثرهم كما نقله ابن بطال عنهم على كراهة مكث الإمام إذا كان إماما راتبا ، إلا أن يكون مكثه لعلة كما فعله الشارع ، قال : وهو قول الشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة : كل صلاة يتنفل بعدها يقوم ، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح ، فهو مخير ، وهو قول أبي مجلز لاحق ابن أبي حميد ، وقال أبو محمد من المالكية : ينتقل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه شيء من سجود السهو ولا غيره ، وحكى الشيخ قطب الدين الحلبي في شرحه : هكذا عن محمد بن الحسن ، وذكره ابن التين أيضا ، وذكر ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وعائشة [ ص: 139 ] رضي الله تعالى عنهما قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام . وقال ابن مسعود أيضا : كان صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته انتقل سريعا ، إما أن يقوم وإما أن ينحرف . وقال سعيد بن جبير : شرق أو غرب ولا يستقبل القبلة . وقال قتادة : كان الصديق إذا سلم كان على الرضف حتى ينهض . وقال ابن عمر : الإمام إذا سلم قام . وقال مجاهد : قال عمر رضي الله تعالى عنه : جلوس الإمام بعد السلام بدعة ، وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الإمام إذا سلم قام ، ومن صلى خلفه من المأمومين يجوز لهم القيام قبل قيامه ، إلا رواية عن الحسن والزهري ، ذكره عبد الرزاق ، وقال : لا تنصرفوا حتى يقوم الإمام . قال الزهري : إنما جعل الإمام ليؤتم به . وجماعة الناس على خلافهما ، وروى ابن شاهين في كتاب المنسوخ من حديث سفيان عن سماك عن جابر : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء . ومن حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ساعة يسلم يقوم ، ثم صليت مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه كان إذا سلم وثب من مكانه وكأنه يقوم عن رضفة . ثم حمل ابن شاهين الأول على صلاة لا يعقبها نافلة ، والثاني على مقابله .

ثم اعلم أن الجمهور على أن الإمام لا يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة ، وذكر ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه : لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكان أو يفصل بينهما بكلام ، وكرهه ابن عمر للإمام ، ولم ير به بأسا لغيره ، وعن عبد الله بن عمرو مثله ، وعن القاسم أن الإمام إذا سلم فواسع أن يتنفل في مكانه ، قال ابن بطال : ولم أجده لغيره من العلماء . قلت : ذكر ابن التين أنه قول أشهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية