صفحة جزء
816 234 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أكل من هذه الشجرة - يريد الثوم - فلا يغشانا في مساجدنا . قلت : ما يعني به ؟ قال : ما أراه يعني إلا نيئه . وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج : إلا نتنه .


مطابقته للترجمة في قوله : " ما جاء في الثوم " .

ذكر رجاله ، وهم خمسة ; الأول : عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي ، وإنما عرف به لأنه كان وقت الطلب يتتبع الأحاديث المسندة ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل ، مات في ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومائتين . الثاني : أبو عاصم النبيل ، واسمه الضحاك بن مخلد . الثالث : عبد الملك بن جريج . الرابع : عطاء بن أبي رباح . الخامس : جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه .

( ذكر لطائف إسناده )

فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع ، وفيه الإخبار بصيغة الجمع أيضا في موضعين ، وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع ، وفيه السماع ، وفيه القول في خمسة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين بخاري وبصري ومكي ، وفيه أن شيخه المسندي من أفراده ، وفيه أن أبا عاصم أيضا شيخه فإنه روى عنه بواسطة ويروي عنه أيضا بلا واسطة .

ذكر من أخرجه غيره

أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن محمد بن حاتم وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن رافع . وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن إسحاق بن منصور . وأخرجه النسائي في الصلاة وفي الوليمة عن إسحاق بن منصور به ، وعن محمد بن عبد الأعلى ، ولما روى الترمذي حديث جابر هذا قال : وفي الباب عن عمرو أبي أيوب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وجابر بن سمرة ، وقرة ، وابن عمر - رضي الله تعالى عنهم . قلت : وفي الباب أيضا عن حذيفة ، وأبي ثعلبة الخشني ، والمغيرة بن شعبة ، وعلي ، وأنس ، وعبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنهم . فحديث عمر عند مسلم وغيره ، وحديث أبي أيوب عند الترمذي ، وحديث أبي هريرة عند مسلم ، وحديث أبي سعيد عند مسلم أيضا ، وحديث جابر بن سمرة عند الترمذي ، وحديث قرة عند البيهقي ، وحديث ابن عمر عند البخاري ومسلم ، وحديث حذيفة عند ابن حبان ، وحديث أبي ثعلبة عند الطبراني في الأوسط ، وحديث المغيرة عند الترمذي ، وحديث علي رضي الله تعالى عنه عند أبي نعيم في الحلية ، وحديث أنس عند البخاري وغيره ، وحديث عبد الله بن زيد عند الطبراني .

ذكر معناه

قوله : “ من هذه الشجرة " . الشجرة واحدة الشجر ، والشجر : النبات الذي له ساق ، والنجم : النبات الذي ينجم في الأرض لا ساق له كالبقول ، ويقال عند العرب كل شيء ينبت له أرومة في الأرض يخلف ما قطع من ظاهرها فهو شجر ، وما ليس لها أرومة تبقى فهو نجم ، والأرومة الأصل . ( فإن قلت ) : على ما ذكر كيف أطلق الشجر على الثوم ونحوه ؟ ( قلت ) : قد يطلق كل منهما على الآخر ، وتكلم أفصح الفصحاء به من أقوى الدلائل . وقال الخطابي : فيه أنه جعل الثوم من جملة الشجر ، والعامة إنما يسمون الشجر ما كان له ساق يحمل أغصانه دون ما يسقط على الأرض . قوله : " فلا يغشانا " . من الغشيان ، وهو المجيء والإتيان ، أي : فلا يأتنا وإنما أثبت الألف لأن الأصل فلا يغشنا كما هو في رواية كذا لأنه أجرى المعتل مجرى الصحيح ، كما في قول الشاعر :


إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق

وإما أن تكون الألف مولدة من إشباع الفتحة بعد سقوط الألف الأصلية بالجزم . قوله : " في مسجدنا " ، وفي رواية الكشميهني وأبي الوقت : " في مساجدنا " ، بصيغة الجمع ، قوله : “ قلت ما يعني به ؟ " أي : ما يقصد ، القائل هو عطاء بن أبي رباح ، يعني : قال عطاء : قلت لجابر رضي الله تعالى عنه : ما يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، أي : بالثوم ; أنضيجا أم نيا ؟ قال جابر : [ ص: 146 ] ما أراه بضم الهمزة ، أي : ما أظنه صلى الله عليه وسلم يعني ، أي : يقصد : نيه ، أي : ني الثوم . وقال بعضهم : وأظن السائل ابن جريج والمسؤول عطاء . قلت : الذي قلنا هو الأقرب والأوجه على ما لا يخفى ، وبه جزم الكرماني .

قوله : “ قال مخلد " ، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ، ابن يزيد ، من الزيادة ، أبو الحسن الحراني ، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة . قوله : " عن ابن جريج " ، يعني : يروي عن عبد الملك بن جريج ، إلا نتنه ، بفتح النونين بينهما تاء مثناة من فوق ساكنة ، يعني : قال بدل نيه نتنه ، وهو الرائحة الكريهة ، وهذا التعليق يخالف ما رواه جماعة عن ابن جريج ، فإن أبا عوانة رواه في صحيحه من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج ، كما رواه أبو عاصم عن ابن جريج ، وكذلك رواه عبد الرزاق عن ابن جريج نحوه ، وكذلك رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق ابن أبي عدي عن ابن جريج ، فلفظ الكل : النيء ، لا النتن .

( ذكر ما يستفاد منه )

فيه كراهة أكل الثوم النيء ولا يحرم ، أما الكراهة فلرائحته الكريهة ، ولهذا قال : من أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا في مسجدنا . وأما عدم الحرمة فلقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي يأتي في هذا الباب : " كل فإني أناجي من لا تناجي " . وقال ابن بطال : قوله صلى الله عليه وسلم : " من أكل " يدل على إباحة أكل الثوم لأنه لفظ يدل على الإباحة ، وتعقب بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم ، لأن معناه : من وجد منه الأكل ، وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح . قلت : فلا حاجة إلى الاستدلال على الإباحة بهذه الطريقة ، فإن حديث جابر يدل على إباحته صريحا ، وكذلك حديث أبي أيوب ، رواه الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب سمع جابر بن سمرة يقول : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب - وكان إذا أكل طعاما بعث إليه بفضله - فبعث إليه يوما بطعام ولم يأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أتى أبو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فيه الثوم ، فقال : يا رسول الله ، أحرام هو ؟ قال : لا ، ولكني أكرهه من أجل ريحه .

وقال الترمذي أيضا : حدثنا محمد بن حميد حدثنا زيد بن الحباب عن أبي خلدة عن أبي العالية قال : الثوم من طيبات الرزق . وأبو خلدة اسمه خالد بن دينار ، وهو ثقة عند أهل الحديث ، وقد أدرك أنس بن مالك وسمع منه ، وأبو العالية اسمه رفيع وهو الرياحي ، وهو الذي ذكرنا أكله في الثوم النيء لأجل رائحته .

وأما الثوم المطبوخ منه فلا يكره ، لما روى أبو داود : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا الجراح أبو وكيع عن أبي إسحاق عن شريك عن علي رضي الله تعالى عنه قال : نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخا " . وروى أيضا عن حديث معاوية بن قرة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين ، وقال : من أكلهما فلا يقربن مسجدنا . وقال : إن كنتم لا بد آكليهما فأميتوهما طبخا .

ثم إن حديث الباب في الثوم فقط ، وسيجيء حديث جابر رضي الله تعالى عنه في هذا الباب أن البصل مثل الثوم ، وأن الخضرات من البقول التي لها رائحة كذلك ، ويدخل فيه الكراث والفجل أيضا ، ونص على الفجل في المعجم الصغير للطبراني ، وذكره مع الثوم والكراث ، ونقل ابن التين عن مالك قال : الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم ، وقيده عياض بالجشاء ، وفي التوضيح : وشذ أهل الظاهر فحرموا هذه الأشياء لإفضائها إلى ترك الجماعة ، وهي عندهم فرض عين ، وتقريره أن يقال : صلاة الجماعة فرض عين ولا يتم إلا بترك أكلها ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فترك أكلها واجب فتكون حراما .

قلت : صرح ابن حزم منهم بأن أكلها حلال مع قوله بأن الجماعة فرض عين .

وفيه ترك الإتيان إلى المسجد عند أكل الثوم ونحوه ، وهو بعمومه يتناول المجامع كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة ، وحكم رحبة المسجد حكمه لأنها منه ، وخص القاضي عياض الكراهة بما إذا كان معهم غيرهم ، أما إذا كان كلهم أكلوه فلا ولكن ينبغي احترام الملائكة ، وليس المراد بالملائكة الحفظة .

قلت : العلة أذى الملائكة ، وأذى المسلمين ، فيختص النهي بالمساجد وما في معناها ، ولا يختص بمسجده صلى الله عليه وسلم بل المساجد كلها سواء عملا برواية : مساجدنا ، بالجمع ، وشذ من خصه بمسجده صلى الله عليه وسلم . ويلحق بما نص عليه في الحديث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها ، وإنما خص الثوم هنا بالذكر وفي غيره أيضا بالبصل والكراث ; لكثرة أكلهم بها ، وكذلك ألحق بذلك بعضهم من بفيه بخر أو به جرح له رائحة ، وكذلك القصاب والسماك والمجذوم والأبرص أولى بالإلحاق ، وصرح بالمجذوم ابن بطال ، ونقل عن سحنون : لا أرى الجمعة عليه ، واحتج بالحديث ، وألحق بالحديث كل من آذى الناس بلسانه في المسجد ، وبه أفتى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، وهو أصل في نفي كل ما يتأذى به ، ولا يبعد أن يعذر من كان معذورا بأكل ما له ريح كريهة لما روى [ ص: 147 ] ابن حبان في صحيحه عن المغيرة بن شعبة " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد مني ريح الثوم ، فقال : من أكل الثوم ؟ قال : فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبا ، فقال : إن لك عذرا " وفي رواية الطبراني في الأوسط : " اشتكيت صدري فأكلته " وفيه : فلم يعنفه صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية