صفحة جزء
836 [ ص: 161 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم )

( كتاب الجمعة )


هذا كتاب في بيان أحكام الجمعة ، وقد ذكرنا فيما مضى أن الكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول ، وهذه الترجمة ثبتت في رواية الأكثرين ، ولكن منهم من قدمها على البسملة ، والأصل تقديم البسملة ، وليست هذه الترجمة موجودة في رواية كريمة وأبي ذر عن الحموي ، وهي بضم الميم على المشهور ، وحكى الواحدي إسكان الميم وفتحها وقرئ بها في الشواذ ، قاله الزمخشري ، وقال الزجاج : قرئ بكسرها أيضا . وقال الفراء : خففها الأعمش وثقلها عاصم وأهل الحجاز . وقال الأزهري : من ثقل أتبع الضمة الضمة ، ومن خفف فعلى الأصل . والقراء قرءوها بالتثقيل . وفي الموعب لابن التياني من قال بالتسكين قال في جمعه : جمع ، ومن قال بالتثقيل قال في جمعه : جمعات .

ثم اختلفوا في تسمية هذا اليوم بالجمعة ; فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : إنما سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم عليه الصلاة والسلام . وروى ابن خزيمة عن سلمان رضي الله تعالى عنه مرفوعا : " يا سلمان ما تدري يوم الجمعة ؟ قلت : الله أعلم ورسوله أعلم . قال : به جمع أبوك - أو أبوكم " . وفي الأمالي لثعلب : إنما سمي يوم الجمعة لأن قريشا كانت تجتمع إلى قصي في دار الندوة . وقيل : لأن كعب بن لؤي كان يجمع فيه قومه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي ، روى ذلك الزبير في كتاب النسب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مقطوعا . وفي كتاب الداودي : سمي يوم الجمعة يوم القيامة لأن القيامة تقوم فيه الناس . وقال ابن حزم : وهو اسم إسلامي ولم يكن في الجاهلية ، إنما كانت تسمى في الجاهلية العروبة فسميت في الإسلام الجمعة ، لأنه يجتمع فيه للصلاة ، اسما مأخوذا من الجمع . وفي تفسير عبد بن حميد : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقبل أن تنزل الجمعة ، وهم الذين سموها الجمعة ، وذلك أن الأنصار قالوا : لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام ، وكذا للنصارى ، فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه ونذكر الله ونصلي ونشكره ، فاجعلوه يوم العروبة ، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى أسعد فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه ، وذبح لهم أسعد شاة فتغدوا وتعشوا من شاة وذلك لقلتهم ، فأنزل الله في ذلك بعد إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية ، انتهى . وقال الزجاج والفراء وأبو عبيد وأبو عمرو : كانت العرب العاربة تقول ليوم السبت : شبار ، وليوم الأحد : أول ، وليوم الاثنين : أهون ، وليوم الثلاثاء : جبار ، وللأربعاء : دبار ، وللخميس : مونس ، وليوم الجمعة : العروبة ، وأول من نقل العروبة إلى يوم الجمعة كعب بن لؤي .

ثم لفظ الجمعة بسكون الميم بمعنى المفعول ، أي : اليوم المجموع فيه ، وبفتحها بمعنى الفاعل ، أي : اليوم الجامع للناس . قال الكرماني : ( فإن قلت ) : لم أنث الجمعة وهو صفة اليوم ؟ ( قلت ) : ليست التاء للتأنيث ، بل للمبالغة ، كما يقال : رجل علامة ، أو هي صفة للساعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية