صفحة جزء
837 2 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل .


مطابقته للجزأين الأخيرين من الترجمة تفهم من الجواب عن اعتراض أبي عبد الملك المذكور . ورجاله قد تكرر ذكرهم على هذا النسق . وهذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ، ولفظ مسلم : " إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " وفي رواية له : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " . وأخرجه الترمذي ، ولفظه : " من أتى الجمعة فليغتسل " . وأخرجه النسائي عن قتيبة عن مالك نحو رواية البخاري سندا ومتنا ، وفي لفظ له مثل رواية مسلم الثانية ، وفي لفظ نحو لفظ البخاري ، وفي لفظ : " إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل " . وأخرجه ابن ماجه ولفظه : " عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : من أتى الجمعة فليغتسل " . وفي رواية لابن حبان في صحيحه ، وأبي عوانة في مستخرجه : " من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل " . ورواه ابن خزيمة بزيادة : " ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء " . وأخرجه البزار من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الجمعة فليغتسل " ، وروى البزار أيضا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الجمعة فليغتسل " . وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا يوم عيد جعله الله للناس ، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل " . وروى الطبراني من حديث أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " الحديث .

ذكر معناه

قوله : “ إذا جاء أحدكم الجمعة " ظاهره أن يكون الغسل عقيب المجيء ، لأن الفاء للتعقيب ، ولكن ليس ذلك المراد ، وإنما المعنى إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل ، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع ، ولفظه : " إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " ونظير ذلك قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله تقديره : إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، والظاهرية قالوا بظاهره في القراءة وهاهنا لم يقولوا به لظاهر رواية الليث المذكورة ، وقال الكرماني : " إذا جاء أحدكم " علم منه أن الغسل إنما هو للمجموع ، وهذا عام للصبي وللنساء أيضا . ( فإن قلت ) : من أين يستفاد العموم ؟ ( قلت ) : من لفظ الأحد المضاف . ( فإن قلت ) : ما وجه دلالته على شهودهما وهذه شرطية فلا يدل على وقوع المجيء . ( قلت ) : لفظة " إذا " لا تدخل إلا فيما كان وقوعه مجزوما به ، انتهى . ( قلت ) : هذا الذي قاله بناء على أنه فهم من الاستفهام في الترجمة الجزم بالحكم وليس كذلك على ما قررناه . قوله : " إذا جاء " المراد بالمجيء هو أن يحضر إلى الصلاة أو إلى المكان الذي تقام فيه الجمعة ، وذكر المجيء باعتبار الغالب ، وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به .

( ذكر ما يستفاد منه )

احتجت به الظاهرية على أن الأمر فيه للوجوب ، وليس كذلك ، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب ، وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته ، لما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " كان الناس مهنة أنفسهم ، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في مهنتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم " وسيأتي هذا في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ، وبعض أصحابنا قالوا : إن الحديث المذكور منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل " . واعترض بأنه ضعيف ، فكيف يحكم أن الصحيح منسوخ به . قلت : هذا الحديث روي من سبعة أنفس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وهم : سمرة بن جندب ، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة ، فذكره . وأنس عند ابن ماجه والطحاوي والبزار والطبراني . وأبو سعيد الخدري عند البيهقي والبزار . وأبو هريرة عند البزار وابن عدي . وجابر عند ابن عدي في الكامل . وعبد الرحمن بن سمرة عند الطبراني . وابن عباس عند البيهقي في سننه . وقال الترمذي : حديث حسن . واختلف في سماع الحسن عن سمرة ، فعن ابن المديني إمام هذا الفن : أنه سمع منه مطلقا . ولئن سلمنا ما قاله المعترض فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم ، كذا [ ص: 166 ] قاله البيهقي وغيره . وقال المحققون من أصحابنا : إن حديث الكتاب خبر الواحد ، فلا يخالف الكتاب ، لأنه يوجب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس عند القيام إلى الصلاة مع وجود الحدث ، فلو وجب الغسل لكان زيادة على الكتاب بخبر الواحد ، وهذا لا يجوز لأنه يصير كالنسخ ، فافهم . قلت : إذا حملنا الأمر فيه على الاستحباب توفيقا بين الحديثين لا يحتاج حينئذ إلى شيء آخر . وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه : ومما يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة فضيلة على الاختيار لا على الوجوب ، حديث عمر ، حيث قال لعثمان : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة ! فلو علما أن أمره على الوجوب لم يترك عمر عثمان حتى يرده ويقول له ارجع فاغتسل . وقال ابن دقيق العيد : في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة . واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور ، قالوا : يجزئ من بعد الفجر ، انتهى . قلت : قال صاحب الهداية : ثم هذا الغسل - أي : غسل يوم الجمعة - للصلاة عند أبي يوسف - يعني لا يصل له الثواب إلا إذا صلى صلاة الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل بعد الجمعة أو أول اليوم وانتقض ثم توضأ وصلى ، لا يكون مدركا لثواب الغسل . وهو الصحيح ، واحترز به عن قول الحسن بن زياد ، فإنه قال : لليوم إظهارا لفضيلته . وبقوله قال داود ، وفي المبسوط وهو قول محمد ، وفي المحيط وهو رواية عن أبي يوسف ، فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان ، وقيل : تظهر الفائدة أيضا في هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا ، أو عبدا أو امرأة أو ممن لا يجب عليه الجمعة ، وهذا بعيد ، لأن المقصود منه إزالة الرائحة الكريهة كيلا يتأذى الحاضرون بها ، وذلك لا يتأتى بعدها ، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة ، وجامع ثم اغتسل ، ينوب عن الكل ، وفي صلاة الجلابي : لو اغتسل يوم الخميس ، أو ليلة الجمعة ، استن بالسنة لحصول المقصود ، وهو قطع الرائحة الكريهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية