صفحة جزء
870 35 - حدثنا آدم قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء .


مطابقته للترجمة ظاهرة .

ذكر رجاله ، وهم أربعة : آدم بن أبي إياس ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، والسائب بن يزيد الكندي ابن أخت النمر .

ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضعين ، وفيه عن السائب ، وفي رواية عقيل عن ابن شهاب أن السائب ابن يزيد أخبره ، وفي رواية يونس : وفيه عن الزهري ، سمعت السائب ، وستأتي هاتان الروايتان عن قريب إن شاء الله تعالى .

ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري أيضا في الجمعة عن أبي نعيم ، وعن يحيى بن بكير ، وعن محمد بن مقاتل ، وأخرجه أبو داود في الصلاة عن محمد بن سلمة المرادي ، وعن عبد الله بن محمد النفيلي ، وعن هناد بن السري ، وعن محمد بن يحيى بن فارس ، وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع ، وقال : حسن صحيح ، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة المرادي به ، وعن محمد بن يحيى ، وعن محمد بن عبد الأعلى ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن يوسف بن موسى القطان ، وعن عبد الله بن سعيد .

ذكر معناه : قوله : " كان النداء " أي : الأذان ، وكذا وقع في رواية ابن خزيمة عن وكيع عن ابن أبي ذئب : كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة ، يريد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا أو لاشتراكهما في الإعلام ، وفي رواية لابن خزيمة " عن أبي عامر عن ابن أبي ذئب : كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة " ، قوله : “ أوله " بالرفع بدل من النداء ، قوله : “ إذا جلس الإمام على المنبر " جملة في محل النصب ; لأنها خبر كان ، وفي رواية أبي عامر المذكورة " إذا خرج الإمام ، وإذا أقيمت الصلاة " ، وكذا في رواية البيهقي من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب ، وفي رواية النسائي عن سليمان التيمي " عن الزهري " كان بلال يؤذن إذا جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ، فإذا نزل أقام ، ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر " ، وفي رواية أبي داود : كان يؤذن بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على باب المسجد وأبي بكر وعمر " ، وكذا في رواية الطبراني ، وفي رواية عبد بن حميد في تفسيره " في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعامة خلافة عثمان ، فلما تباعدت المنازل وكثر الناس أمر بالنداء الثالث ، فلم يعب ذلك عليه ، وعيب عليه إتمام الصلاة بمنى " .

وقال الشافعي رحمه الله : حدثنا بعض أصحابنا عن ابن أبي ذئب ، وفيه : ثم أحدث عثمان الأذان الأول على الزوراء ، وفي ( مصنف عبد الرزاق ) عن ابن جريج قال سليمان بن موسى : أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان رضي الله تعالى عنه ، فقال عطاء : كلا ، إنما كان يدعو الناس دعاء ، ولا [ ص: 211 ] يؤذن غير أذان واحد ، وفيه أيضا عن الحسن : النداء الأول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام والذي يكون قبل ذلك محدث ، وكذا قال ابن عمر في رواية عنه : الأذان الأول يوم الجمعة بدعة ، وعن الزهري : أول من أحدث الأذان الأول عثمان ، يؤذن لأهل الأسواق ، وفي لفظ : فأحدث عثمان التأذينة الثالثة على الزوراء ليجتمع الناس ، ووقع في ( تفسير جويبر ) عن الضحاك عن برد بن سنان عن مكحول " عن معاذ بن عمر : هو الذي زاد ، فلما كانت خلافة عمر رضي الله تعالى عنه ، وكثر المسلمون أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس بالجمعة خارجا في المسجد حتى يسمع الناس الأذان ، وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان يفعل المؤذن بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين يدي أبي بكر ، ثم قال عمر : أما الأذان الأول فنحن ابتدعناه لكثرة المسلمين ، فهو سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماضية " ، وقيل : إن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج ، وبالبصرة زياد ، قوله : “ فلما كان عثمان " أراد أنه لما صار خليفة ، قوله : “ وكثر الناس " أي : بمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصرح به في رواية الماجشون ، وظاهر هذا أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته ; لكن في رواية أبي حمزة عن يونس عند أبي نعيم في ( المستخرج ) أن ذلك كان بعد مضي مدة خلافته ، قوله : “ زاد النداء الثالث " إنما سمي ثالثا باعتبار كونه مزيدا ; لأن الأول هو الأذان عند جلوس الإمام على المنبر ، والثاني هو الإقامة للصلاة عند نزوله ، والثالث عند دخول وقت الظهر ، فإن قلت : هو الأول ; لأنه مقدم عليهما . قلت : نعم هو أول في الوجود ، ولكنه ثالث باعتبار شرعيته باجتهاد عثمان ، وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت ، وعدم الإنكار فصار إجماعا سكوتيا ، وإنما أطلق الأذان على الإقامة ; لأنها إعلام كالأذان ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - " بين كل أذانين صلاة لمن شاء " ، ويعني به بين الأذان والإقامة ، وإنما أولناه هكذا حتى لا يلزم أن يكون الأذان ثلاثا ، ولم يكن كذلك ، ولا يلزم أيضا أن يكون في الزمن الأول أذانان ، ولم يكن إلا أذان واحد ، فالأذان الثالث الذي زاده عثمان هو الأول اليوم ، فيكون الأول هو الأذان الذي كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وزمن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما عند الجلوس على المنبر ، والثاني هو الإقامة ، والثالث الأذان الذي زاده عثمان فأذن به على الزوراء .

ذكر ما يستفاد منه : قيل : استدل البخاري بهذا الحديث على الجلوس على المنبر قبل الخطبة ، قال بعضهم : خلافا لبعض الحنفية .

وقال صاحب التوضيح : قوله : " إذا جلس الإمام على المنبر " هذا سنة ، وعليه عامة العلماء خلافا لأبي حنيفة ، كذا قاله ابن بطال ، وتبعه ابن التين وقالا : خالف الحديث . قلت : هما خالفا الحديث حيث نسبا إليه ما لم يقل ; لأن مذهبه ما ذكره صاحب الهداية ، وإذا صعد الإمام على المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر ، بذلك جرى التوارث ، انتهى .

واختلف : إن جلوس الإمام على المنبر قبل الخطبة هل هو للأذان أو لراحة الخطيب ؟ فعلى الأول : لا يسن في العيد ; لأنه لا أذان له ، ومما يستفاد منه أن الأذان قبل الخطبة ، وأن الخطبة قبل الصلاة ، ومنه أن التأذين كان بواحد .

وقال أبو عمر : اختلف الفقهاء هل يؤذن بين يدي الإمام واحد أو مؤذنون ، فذكر ابن عبد الحكم عن مالك إذا جلس على المنبر ونادى المنادي منع الناس من البيع تلك الساعة ، هذا يدل على أن النداء عنده واحد بين يدي الإمام ، ونص عليه الشافعي ، ويشهد له حديث السائب " لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مؤذن واحد " ، وهذا يحتمل أن يكون أراد بلالا لمواظبته على الأذان دون ابن أم مكتوم وغيره ، وعن ابن القاسم عن مالك : إذا جلس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان حرم البيع ، فذكر المؤذنون بلفظ الجماعة ، ويشهد لهذا حديث الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي " أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر رضي الله تعالى عنه وجلس على المنبر وأذن المؤذنون " الحديث .

وهكذا حكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه ، قال ابن عمر : ومعلوم عند الناس أنه جائز أن يكون المؤذنون واحدا وجماعة في كل صلاة إذا كان ذلك مترادفا لا يمنع من إقامة الصلاة في وقتها ، وعن الداودي : كانوا يؤذنون في أسفل المسجد ليسوا بين يدي الإمام ، فلما كان عثمان رضي الله تعالى عنه جعل من يؤذن على الزوراء ، وهي كالصومعة ، فلما كان هشام جعل المؤذنين أو بعضهم يؤذنون بين يديه فصاروا ثلاثة فسمي فعل عثمان ثالثا لذلك .

فإن قلت : قد مر عن السائب " لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مؤذن واحد " ، فقد ثبت في الصحيح أن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلذلك قال : فكلوا واشربوا حتى تسمعوا [ ص: 212 ] تأذين ابن أم مكتوم ، وكان من مؤذنيه أيضا سعد القرظ ، وأبو محذورة ، والحارث الصدائي ، فما التوفيق بين هذه الروايات ؟ قلت : أراد السائب بقوله : " لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مؤذن واحد " يعني في الجمعة ، فلم ينقل أن غيره كان يؤذن للجمعة ، فالذي ورد عنه التأذين يوم الجمعة بلال رضي الله تعالى عنه ، ولم ينقل أن ابن أم مكتوم كان يؤذن للجمعة .

وأما سعد القرظ فكان جعله مؤذنا بقباء .

وأما أبو محذورة فكان جعله مؤذنا بمكة شرفها الله تعالى .

وأما الحارث فإنه تعلم الأذان حتى يؤذن لقومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية