صفحة جزء
881 45 - وقال محمود : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا هشام بن عروة قال : أخبرتني فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : دخلت على عائشة رضي الله عنها والناس يصلون قلت : ما شأن الناس ؟ فأشارت برأسها إلى السماء فقلت : آية ؟ فأشارت برأسها ، أي : نعم ، قالت : فأطال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جدا حتى تجلاني الغشي ، وإلى جنبي قربة فيها ماء ، ففتحتها ، فجعلت أصب منها على رأسي ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد تجلت الشمس ، فخطب الناس ، وحمد الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، قالت : ولغط نسوة من الأنصار ، فانكفأت إليهن لأسكتهن فقلت لعائشة : ما قال ؟ قالت : قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار ، وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال ، يؤتى أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل ; فأما المؤمن أو قال : الموقن - شك هشام - فيقول : هو رسول الله ، هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ، جاءنا بالبينات والهدى ، فآمنا وأجبنا واتبعنا وصدقنا ، فيقال له : نم صالحا ، قد كنا نعلم إن كنت لتؤمن به .

وأما المنافق أو قال المرتاب ، شك هشام ، فيقال له : ما علمك بهذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت . قال هشام : فلقد قالت لي فاطمة ، فأوعيته غير أنها ذكرت ما يغلظ عليه
.


مطابقته للترجمة ظاهرة ، وهي قوله : " ثم قال أما بعد " .

( ذكر رجاله ) ، وهم خمسة : الأول : محمود بن غيلان ، أحد مشايخه مر في باب النوم قبل العشاء ، الثاني : أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي ، وقد تكرر ذكره ، الثالث : هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وقد تكرر ذكره ، الرابع : فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام امرأة هشام بن عروة ، الخامس : أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير وعروة أخت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار بصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضع ، وفيه القول في أربعة مواضع ، وفيه قال محمود ، ولم يقل حدثنا محمود أو أخبرنا ; لأن الظاهر أنه ذكره له محاورة ومذاكرة لا نقلا وتحميلا ، لكن كلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال : حدثنا محمود ، وفيه رواية الرجل عن بنت عمه ، وزوجته ، وفيه رواية التابعية عن الصحابية ، وفيه رواية الصحابية عن الصحابية ، وفيه شيخ البخاري مروزي ، وشيخه كوفي ، والبقية مدنية .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري في مواضع قد بيناه في باب : من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس في كتاب العلم ، وقد ذكرنا أيضا من أخرجه غير البخاري ، وذكرنا جميع ما يتعلق به هناك ، ونذكر هاهنا مختصرا عما قد ذكرناه هناك ، وما لم نذكره .

قوله : “ والناس يصلون " جملة حالية ، قوله : “ ما شأن الناس " أي : قائمين فزعين ، قوله : “ فأشارت “ أي عائشة ، قوله : “ فقلت : آية ؟ " أصله بهمزة الاستفهام ، أي : آية ، وارتفاعها على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : أهي آية ، أي : [ ص: 223 ] علامة لعذاب الناس كأنها مقدمة له ، قوله : “ حتى تجلاني " بفتح التاء المثناة من فوق والجيم ، وتشديد اللام ، وأصله تجللني ، أي : علاني ، وكذا وقع في رواية هناك ، قوله : “ الغشي " بفتح الغين المعجمة وسكون الشين المعجمة ، وفي آخره ياء آخر الحروف مخففة من غشي عليه غشية ، وغشيا ، وغشيانا فهو مغشي عليه ، واستغشى بثوبه ، وتغشى ، أي : تغطى به ، قوله : “ وقد تجلت الشمس " جملة حالية ، أي : انكشفت ، قوله : “ ثم قال أما بعد " هذا لم يذكر هناك ، قال الكرماني : كلمة " أما " لا بد لها من أخت فما هي إذا وقعت بعد الثناء على الله ، كما هو العادة في ديباجة الرسائل والكتب بأن يقال الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ، وأجاب بأن الثناء أو الحمد مقدم عليه ، كأنه قال : أما الثناء على الله فكذا ، وأما بعد فكذا ، ولا يلزم في قسيمه أن يصرح بلفظه ; بل يكفي ما يقوم مقامه ، قيل : هي من أفصح الكلام ، وهو فصل بين الثناء على الله وبين الخبر الذي يريد الخطيب إعلام الناس به ، ومثل هذه الكلمة تسمى بفصل الخطاب الذي أوتي داود عليه الصلاة والسلام ; لأنه فصل ما تقدم .

وقال الحسن : هي فصل القضاء ، وهي البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ، قوله : “ لغط نسوة من الأنصار " اللغط بالتحريك الأصوات المختلفة التي لا تفهم ، قال ابن التين : ضبطه بعضهم بفتح الغين ، وبعضهم بكسرها ، وهو عند أهل اللغة بالفتح ، قوله : “ فانكفأت " أي : ملت بوجهي ورجعت إليهن لأسكتهن ، وأصله من كفأت الإناء إذا أملته وكببته ، قوله : “ ما من شيء " كلمة ما للنفي ، وكلمة من زائدة لتأكيد النفي ، وشيء اسم ما ، وقوله : “ لم أكن أريته " جملة في محل الرفع ; لأنها صفة لشيء ، وهو مرفوع في الأصل ، وإن كان جر بمن الزائدة ، واسم أكن مستتر فيه ، وأريته بضم الهمزة جملة في محل النصب ; لأنها خبر لم أكن ، قوله : “ إلا وقد رأيته " استثناء مفرغ ، وتحقيق الكلام قد ذكرناه ، قوله : “ حتى الجنة والنار " يجوز فيهما الرفع على أن تكون حتى ابتدائية ، ورفع الجنة على الابتداء محذوف الخبر ، تقديره : حتى الجنة مرئية ، والنار عطف عليها ، ويجوز فيهما النصب على أن تكون حتى عاطفة على الضمير المنصوب في رأيته ، ويجوز الجر أيضا على أن تكون حتى جارة .

قوله : “ أوحي إلي " على صيغة المجهول ، قوله : “ أنكم " بفتح الهمزة ، قوله : “ مثل أو قريبا " أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال ، وتحقيقه قد مر ، قوله : “ يؤتى " على صيغة المجهول ، قوله : “ الموقن " أي : المصدق بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو الموقن بنبوته ، قوله : “ صالحا " أي : منتفعا بأعمالك ، قوله : “ إن كنت " إن هذه مخففة من الثقيلة ، أي : إن الشأن كنت ، وهي مكسورة ، ودخلت اللام في قوله : " لموقنا " لتفرق بين إن هذه وبين إن النافية ، قوله : “ المنافق " هو المظهر خلاف ما يبطن ، والمرتاب الشاك ، وهو في مقابلة الموقن ، وهذا اللفظ مشترك فيه الفاعل والمفعول ، والفرق تقديري ، قوله : “ فأوعيته " الأصل في مثل هذا أن يقال : وعيته . يقال : وعيت العلم ، وأوعيت المتاع .

وقال ابن الأثير : في حديث الإسراء ذكر في كل سماء أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية هكذا روي ، فإن صح فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي يقال : أوعيت الشيء في الوعاء ، إذا أدخلته فيه ، ولو روي وعيت بمعنى حفظت لكان أبين وأظهر . يقال : وعيت الحديث أعيه وعيا فأنا واع إذا حفظته وفهمته ، وفلان أوعى من فلان ، أي : أحفظ وأفهم ، وهاهنا كذلك إن صحت الرواية فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي ، وإلا فالقياس : وعيته بدون الهمزة فافهم ، وفي بعض النسخ : فوعيته على الأصل ، قوله : “ ما يغلظ عليه " ويروى " ما يغلظ فيه " .

( وما يستفاد منه ) الافتتان في القبر ، وهو الاختبار ، ولا فتنة أعظم من هذه الفتنة ، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة منها : حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي من رواية سعيد بن أبي سعيد المقبري عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قبر الميت - أو قال : أحدكم - أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر ، وللآخر النكير ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : ما كان يقول ، هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم ، فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .

فإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثله ، لا أدري ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للأرض : التئمي عليه ، فتلتئم عليه ، فتختلف أضلاعه ، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك
. انفرد بإخراجه الترمذي من هذا الوجه ، وله طريق آخر من رواية [ ص: 224 ] سعيد بن يسار عن أبي هريرة ، أخرجه ابن ماجه عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشغوب ، ثم يقال له : فيم كنت ؟ فيقول : كنت في الإسلام ، فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : محمد رسول الله ، جاءنا بالبينات من عند الله ، فصدقناه ، فيقال له : هل رأيت الله ؟ فيقول : ما ينبغي لأحد أن يرى الله ، فتفرج له فرجة قبل النار ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال له : انظر إلى ما وقاك الله ، ثم يفرج له فرجة قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : هذا مقعدك ، ويقال له : على اليقين كنت ، وعليه مت ، وعليه تبعث إن شاء الله .

ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشغوبا ، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : لا أدري ، فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : سمعت الناس يقولون قولا فقلته ، فيفرج له قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : انظر إلى ما صرف الله عنك ، ثم يفرج له فرجة إلى النار ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال له : هذا مقعدك ، على الشك كنت ، وعليه مت ، وعليه تبعث إن شاء الله
" ، وأخرجه النسائي في سننه الكبرى في التفسير ، وفي الملائكة من هذا الوجه .

وأخرج أبو داود من حديث أنس ، وفيه قال : " إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك ، فيقول له : ما كنت تعبد ؟ فإن الله إذا هداه قال : كنت أعبد الله ، فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله ، وما يسأل عن شيء غيرها ، فينطلق به إلى بيت كان له في النار ، فيقال له : هذا بيتك كان في النار ، ولكن الله عصمك ورحمك ، فأبدلك به بيتا في الجنة ، فيقول : دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي ، فيقال له : اسكن .

وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فيهزه فيقول له : ما كنت تعبد ؟ فيقول : لا أدري ، فيقول له : لا دريت ولا تليت ، فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : كنت أقول ما يقول الناس ، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين
" .

وأخرجه أبو داود أيضا من حديث البراء على اختلاف طرقه ، وفيه : " ثم يقيض له أعمى أبكم ، معه مرزبة من حديد ، لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال : فيضرب بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا ، ثم يعاد فيه الروح " .

وأخرج أبو داود الطيالسي حديث البراء بن عازب : " يقول العبد : هو رسول الله " الحديث ، وفيه : " يمثل له عمله في هيئة رجل حسن الوجه ، طيب الريح ، حسن الثياب ، فيقول : أبشر بما أعد الله لك ، أبشر برضوان الله تعالى وجنات فيها نعيم مقيم ، فيقول : بشرك الله بخير ، من أنت ، فوجهك الذي جاء بالخير ، فيقول : هذا يومك الذي كنت توعد ، أنا عملك الصالح " .

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة مرفوعا : " فيأتيه الملكان أعينهما مثل قدور النحاس " ، وفي رواية معمر " أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، معهما مرزبة من حديد ، لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها " .

وعند الحكيم الترمذي : " خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ، ولا خلق الملائكة ، ولا خلق الطير ، ولا خلق البهائم ، ولا خلق الهوام ; بل هما خلق بديع " الحديث .

وروى أبو نعيم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل " الحديث ، وفيه " فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ، ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه " ، وذكر بقية الحديث .

وقد روي في عذاب القبر عن جماعة من الصحابة ، وهم أبو هريرة عند الترمذي والبخاري ، وزيد بن ثابت عند مسلم ، وابن عباس عند الستة ، وأبو أيوب عند الشيخين والنسائي ، وأنس عند الشيخين وأبو داود والنسائي ، وجابر عند ابن ماجه ، وعائشة عند الشيخين والنسائي ، وأبو سعيد عند ابن مردويه في تفسيره ، وابن عمر عند النسائي ، وعمر بن الخطاب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه ، وسعد عند البخاري والترمذي والنسائي ، وابن مسعود عند الطحاوي ، وزيد بن أرقم عند مسلم ، وأبو بكرة عند النسائي ، وعبد الرحمن بن حسنة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه ، وعبد الله بن عمرو عند النسائي ، وأسماء بنت أبي بكر عند البخاري والنسائي ، وأسماء بنت يزيد عند النسائي ، وأم مبشر عند ابن أبي شيبة في المصنف ، وأم خالد عند البخاري والنسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية