صفحة جزء
( وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء ، كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ، أو يأمنوا ، فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا فلا يجزئهم التكبير ، ويؤخروها حتى يأمنوا ) .


أشار بهذا إلى مذهب عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أنه إن كان تهيأ الفتح أي تمكن فتح الحصن ، والحال أنهم لم يقدروا على الصلاة أي على إتمامها أفعالا وأركانا ، وفي رواية القابسي : إن كان بها الفتح بالباء الموحدة وهاء الضمير ، قيل : إنه تصحيف ، قوله : "صلوا إيماء" أي صلوا مومئين إيماء ، قوله : "كل امرئ لنفسه” أي كل شخص يصلي بالإيماء ، منفردا بدون الجماعة ، قوله : "لنفسه" أي لأجل نفسه دون غيره بأن لا يكون إماما لغيره ، قوله : "فإن لم يقدروا على الإيماء" أي بسبب اشتغال القلب والجوارح لأن الحرب إذا اشتد غاية الاشتداد لا يبقى قلب المقاتل وجوارحه إلا عند القتال ، ويتعذر عليه الإيماء ، وقيل : يحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء ، فيعجز عن الإيماء إلى جهة القبلة ، فإن قلت : كيف يتعذر الإيماء مع حصول العقل ، قلت : عند وقوع الدهشة يغلب العقل ، فلا يعمل عمله ، قوله : "أو يأمنوا" استشكل فيه ابن رشيد بأنه جعل الأمن قسيم الانكشاف ، وبه يحصل الأمن ، فكيف يكون قسيمه ؟ وأجاب الكرماني عن هذا فقال : قد ينكشف ، ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة ، وقد يأمن لزيادة القوة ، وإيصال المدد مثلا ، ولم يكن منكشفا بعد ، قوله : "فإن لم يقدروا" يعني على صلاة ركعتين صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا على صلاة ركعة وسجدتين يؤخرون الصلاة ، فلا يجزيهم التكبير ، وقال الثوري : يجزيهم التكبير ، وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي البختري في آخرين ، قالوا : إذا التقى الزحفان ، وحضرت الصلاة ، فقالوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، فتلك صلاتهم بلا إعادة ، وعن مجاهد ، والحكم : إذا كان عند الطراد والمسايفة يجزي أن تكون صلاة الرجل تكبيرا ، فإن لم يمكن إلا تكبيرة أجزأته أين كان وجهه ، وقال إسحاق بن راهويه : تجزئ عند المسايفة ركعة واحدة يومئ بها إيماء ، فإن لم يقدر فسجدة ، فإن لم يقدر فتكبيرة ، قوله : "حتى يأمنوا” أي حتى يحصل لهم الأمن التام ، وحجة الأوزاعي فيما قاله حديث جابر رضي الله تعالى [ ص: 261 ] عنه ، أن من لم يقدر على الإيماء أخر الصلاة حتى يصليها كاملة ، ولا يجزئ عنها تسبيح ولا تهليل لأنه صلى الله عليه وسلم قد أخرها يوم الخندق ، وهذا استدلال ضعيف ، لأن آية صلاة الخوف لم تكن نزلت قبل ذلك .

( وبه قال مكحول )

أي بقول الأوزاعي قال مكحول أبو عبد الله الدمشقي فقيه أهل الشام التابعي ، ولد مكحول بكابل لأنه من سبيه ، فرفع إلى سعيد بن العاص ، فوهب لامرأة من هذيل ، فأعتقته ، وقيل غير ذلك ، وقال محمد بن سعد : مات سنة ست عشرة ومائة ، قال العجلي : تابعي ثقة ، وروى له البخاري في «كتاب الأدب والقراءة خلف الإمام" وروى له مسلم ، والأربعة ، وقال الكرماني : قوله : "وبه قال مكحول" يحتمل أن يكون من تتمة كلام الأوزاعي ، وأن يكون تعليقا من البخاري ، قلت : الظاهر أنه تعليق وصله عبد بن حميد في « تفسيره " عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ : إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين ، فإن لم يقدروا ، فركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية