صفحة جزء
904 ( وقال الوليد : ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط ، وأصحابه على ظهر الدابة ، فقال : كذلك الأمر عندنا إذا تخوف الفوت ، واحتج الوليد بقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ) .


مطابقته للترجمة : من حيث إن شرحبيل ومن معه كانوا ركبانا ، والإجماع على أن المطلوب لا يصلي إلا راكبا ، فكانوا مطلوبين راكبين ، ولو كانوا طالبين أيضا فالمطابقة حاصلة ، والوليد بفتح الواو ، وهو ابن مسلم القرشي الأموي الدمشقي ، يكنى أبا العباس ، وقال كاتب الواقدي : حج سنة أربع وتسعين ومائة ، ثم انصرف ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى دمشق ، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو ، وشرحبيل بضم الشين المعجمة ، وفتح الراء ، وسكون الحاء المهملة ، وكسر الباء الموحدة ، ابن السمط ، بفتح السين المهملة ، وكسر الميم على وزن الكتف ، قاله الغساني ، وقال ابن الأثير : بكسر السين ، وسكون الميم ابن الأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة الكندي أبو يزيد ، ويقال : أبو السمط الشامي مختلف في صحبته ذكره في « الكمال " من التابعين ، وقال : ويقال له صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويقال : لا صحبة له ، وذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة ، وقال : جاهلي إسلامي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ، وقد شهد القادسية ، وولي حمص ، وهو الذي افتتحها ، وقسمها منازل ، وقال النسائي : ثقة ، وقال أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي صاحب « تاريخ الحمصيين " توفي بسلمية ، سنة ست وثلاثين ، ويقال : سنة أربعين ، ويقال : مات بصفين ، وليس له في البخاري في غير هذا الموضع ، وهو تعليق رواه الطبراني ، وابن عبد البر من وجه آخر "عن الأوزاعي ، قال : قال شرحبيل بن السمط لأصحابه : لا تصلوا الصبح إلا على ظهر ، فنزل الأشتر يعني النخعي ، فصلى على الأرض ، فقال شرحبيل : مخالف خالف الله به" ، وروى ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، حدثنا ابن عون "عن رجاء ابن حيوة الكندي قال : كان ثابت بن السمط أو السمط بن ثابت في مسير في خوف ، فحضرت الصلاة ، فصلوا ركبانا ، فنزل الأشتر ، فقال : ما له ؟ فقالوا : نزل يصلي ، قال : ما له خالف خولف به" انتهى ، وذكر ابن حبان أن ثابت بن السمط أخو شرحبيل بن السمط ، فإذا كان كذلك فيشبه أن يكونا كانا في ذلك الجيش ، فنسب إلى كل منهما ، وقد ذكر شرحبيل جماعة في الصحابة ، وثابتا في التابعين ، وقال ابن بطال : طلبت قصة شرحبيل بن السمط بتمامها [ ص: 263 ] لأتبين هل كانوا طالبين أم لا ؟ فذكر الفزاري في « السنن " عن ابن عون ، "عن رجاء ، عن ثابت بن السمط ، أو السمط بن ثابت قال : كانوا في السفر في خوف ، فصلوا ركبانا ، فالتفت ، فرأى الأشتر قد نزل للصلاة ، فقال : خالف خولف به ، فجرح الأشتر في الفتنة" ، قال : فبان بهذا الخبر أنهم كانوا حين صلوا ركبانا لأن الإجماع حاصل على أن المطلوب لا يصلي إلا راكبا ، وإنما اختلفوا في الطالب ، فقال ابن التين : صلاة ابن السمط ظاهرها أنها كانت في الوقت ، وهو من قوله تعالى : فرجالا أو ركبانا قوله : "كذلك الأمر” أي أداء الصلاة على ظهر الدابة بالإيماء ، وهو الشأن ، والحكم عند خوف فوات الوقت ، أو فوات العدو ، أو فوات النفس ، قوله : "واحتج الوليد” أي الوليد المذكور ، وقال بعضهم : معناه أن الوليد قوى مذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة ، قلت : لا يفهم من احتجاج الوليد بالحديث تقوية ما ذهب إليه الأوزاعي صريحا ، وإنما وجه الاستدلال به بطريق الأولوية لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم مع كونهم فوتوا الوقت ، فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء ، أو كيف ما تمكن أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها ، وقال الداودي : احتجاج الوليد بحديث بني قريظة ليس فيه حجة ، لأنه قبل نزول صلاة الخوف قال : وقيل : إنما صلى شرحبيل على ظهر الدابة لأنه طمع في فتح الحصن ، فصلى إيماء ، ثم فتحه ، وقال ابن بطال : وأما استدلال الوليد بقصة بني قريظة على صلاة الطالب راكبا ، فلو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق صلوا ركبانا ، لكان بينا ، ولما لم يوجد ذلك احتمل أن يقال : إنه يستدل بأنه كما ساغ للذين صلوا في بني قريظة مع ترك الوقت ، وهو فرض كذلك ساغ للطالب أن يصلي في الوقت راكبا بالإيماء ، ويكون تركه للركوع والسجود كترك الوقت ، ويقال : لا حجة في حديث بني قريظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد سرعة سيرهم ، ولم يجعل لهم بني قريظة موضعا للصلاة ، ومذاهب الفقهاء في هذا الباب ، فعند أبي حنيفة إذا كان الرجل مطلوبا فلا بأس بصلاته سائرا ، وإن كان طالبا فلا ، وقال مالك وجماعة من أصحابه : هما سواء ، كل واحد منهما يصلي على دابته ، وقال الأوزاعي والشافعي في آخرين كقول أبي حنيفة ، وهو قول عطاء ، والحسن ، والثوري ، وأحمد ، وأبي ثور ، وعن الشافعي : إن خاف الطالب فوت المطلوب أومأ وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية