صفحة جزء
83 باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها
الكلام فيه على أنواع : الأول أن الباب مرفوع بأنه خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى ما بعده ، وفيه حذف تقديره : هذا باب في بيان ما يستفتى به الشخص وهو واقف ، أي والحال أنه واقف على ظهر الدابة أو غيرها .

الثاني : أن الفتيا بضم الفاء اسم وكذلك الفتوى ، وهو الجواب في الحادثة ، يقال : استفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني ، وتفاتوا إلى الفقيه ارتفعوا إليه في الفتيا ، وفي المحكم : أفتاه في الأمر أبانه له ، والفتي والفتيا والفتوى ما أفتى به الفقيه ، الفتح لأهل المدينة ، وقال الشيخ قطب الدين : الفتيا اسم ، ثم قال : ولم يجئ من المصادر على فعلى غير الفتيا والرجعى وبقيا ولقيا ، قلت : فيه نظران : أحدهما أنه قال أولا الفتيا اسم ثم قال مصدر ، والثاني : أنه قال لم يجئ من المصادر على فعلى ، يعني بضم الفاء غير هذه الأمثلة الأربعة ، وقد جاء العذرى بمعنى العذر ، والعسرى بمعنى العسر ، واليسرى بمعنى اليسر ، والعتبى بمعنى العتاب ، والحسنى بمعنى الإحسان ، والشورى بمعنى المشورة ، والرغبى بمعنى الرغبة ، والنهبى بمعنى الانتهاب ، وزلفى بمعنى التزلف وهو التقرب ، والبشرى بمعنى البشارة ، قوله “ على ظهر الدابة " وفي بعض النسخ على الدابة من دب على الأرض يدب دبيبا وكل ماش على الأرض دابة ودبيب ، والدابة [ ص: 88 ] التي تركب ، قاله في العباب ، وقال الكرماني : الدابة لغة : الماشية على الأرض ، وعرفا : الخيل والبغل والحمار ، وقال بعضهم وبعض أهل العرف : خصها بالحمار ، قلت : ليس كما قالا ، وإنما الدابة في العرف اسم لذات الأربع من الحيوان ، ولكن مراد البخاري ما قاله الصغاني : وهي الدابة التي تركب ، وأشار بهذا إلى جواز سؤال العالم وإن كان مشتغلا راكبا وماشيا وواقفا وعلى كل أحواله ، ولو كان في طاعة ، وقال بعض الشارحين : وليس في الحديث الذي أخرجه في الباب لفظ الدابة ليطابق ما بوب عليه ، وأجاب بعضهم بأنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في الحج فقال : كان على ناقته ، قلت : بعد هذا الجواب كبعد الثرى من الثريا ، وكيف يعقد باب بترجمة ثم يحال ما يطابق ذلك على حديث يأتي في باب آخر ، ويمكن أن يجاب بأن بين قوله " أو غيرها " أي أو غير الدابة ، وبين حديث الباب مطابقة لأن ما فيه وهو قوله " وقف في حجة الوداع بمنى للناس " أعم من أن يكون وقوفه على الأرض أو على الدابة ، ويكون ذكر لفظ الدابة إشارة إلى أنه في حديث الباب طريق أخرى فيها ذكر الدابة وهي قوله " كان على ناقته " .

الثالث : وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول هو فضل العلم ، والمذكور في هذا الباب هو الفتيا وهو أيضا من العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية