صفحة جزء
1032 117 - حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن عبد الله رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبي بكر وعمر، ومع عثمان صدرا من إمارته، ثم أتمها.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين الإطلاق الذي فيها، فإن الإطلاق فيها يتناول الصلاة ركعتين، ويتناولها أربعا أيضا، فصارت المطابقة من جهة التفصيل بعد الإجمال، أو من جهة التقييد بعد الإطلاق، ولكن حكم المسألة كما ينبغي لا يفهم منه، وهو أن المقيم بمنى هل يقصر أو يتم، فلذلك لم يذكر حكمها في الترجمة، وسنبينها إن شاء الله تعالى.

ورجاله قد ذكروا غير مرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان ، وعبيد الله بن عمر .

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة، عن محمد بن المثنى ، وعبيد الله بن سعيد .

وأخرجه النسائي فيه، عن عبيد الله بن سعيد .

قوله " بمنى " في رواية مسلم ، عن سالم ، عن أبيه: بمنى ، وغيره.

قوله " صدرا " أي أول خلافته، وهي ست سنين، أو ثمان سنين على خلاف فيه.

قوله " من إمارته " بكسر الهمزة، وهي خلافته.

قوله " ثم أتمها " أي بعد ذلك ; لأن القصر والإتمام جائزان، ورأى ترجيح طرف الإتمام ; لأن فيه زيادة مشقة. وفي رواية أبي أسامة ، عن عبيد الله عند مسلم : ثم إن عثمان صلى أربعا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين. وفي رواية لمسلم ، عن حفص بن عاصم ، عن ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة المسافر، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ثمان سنين، أو ست سنين . وروى أبو داود الطيالسي في " مسنده "، عن زمعة ، عن سالم ، عن ابن عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة السفر ركعتين، ثم صلى أبو بكر ركعتين، ثم صلى بعده عمر ركعتين، ثم صلى بعده عثمان ركعتين، ثم إن عثمان أتم بعد .

ذكر ما يستنبط منه:

قال ابن بطال : اتفق العلماء على أن الحاج القادم مكة يقصر الصلاة بها، وبمنى ، وبسائر المشاهد ; لأنه عندهم في سفر ; لأن مكة ليست دار أربعة إلا لأهلها، أو لمن أراد الإقامة بها، وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بها، فلذلك لم ينو رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة بها، ولا بمنى . قال: واختلف العلماء في صلاة المكي بمنى ، فقال مالك : يتم بمكة ويقصر بمنى ، وكذلك أهل منى يتمون بمنى ويقصرون بمكة وعرفات . قال: وهذه المواضع مخصوصة بذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصر بعرفة لم يميز من وراءه، ولا قال لأهل مكة أتموا. وهذا موضع بيان. وممن روي عنه أن المكي يقصر بمنى : ابن عمر ، وسالم ، والقاسم ، وطاوس ، وبه قال الأوزاعي ، وإسحاق ، وقالوا: إن القصر سنة الموضع، وإنما يتم بمنى وعرفات من [ ص: 119 ] كان مقيما فيها، وقال أكثر أهل العلم، منهم عطاء ، والزهري ، والثوري ، والكوفيون ، وأبو حنيفة ، وأصحابه، والشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور - لا يقصر الصلاة أهل مكة بمنى ، وعرفات لانتفاء مسافة القصر، وقال الطحاوي : وليس الحج موجبا للقصر ; لأن أهل منى وعرفات إذا كانوا حجاجا أتموا، وليس هو متعلقا بالموضع، وإنما هو متعلق بالسفر، وأهل مكة مقيمون هناك لا يقصرون، ولما كان المقيم لا يقصر لو خرج إلى منى كذلك الحاج.

ذكر المسافة التي تقصر فيها الصلاة :

اختلف العلماء فيها، فقال أبو حنيفة ، وأصحابه، والكوفيون : المسافة التي تقصر فيها الصلاة ثلاثة أيام، ولياليهن بسير الإبل، ومشي الأقدام. وقال أبو يوسف : يومان، وأكثر.

الثالث: وهي رواية الحسن ، عن أبي حنيفة ، ورواية ابن سماعة ، عن محمد ، ولم يريدوا به السير ليلا ونهارا ; لأنهم جعلوا النهار للسير، والليل للاستراحة، ولو سلك طريقا هي مسيرة ثلاثة أيام، وأمكنه أن يصل إليها في يوم من طريق أخرى قصر، ثم قدروا ذلك بالفراسخ، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر، وعليه الفتوى، وقيل: خمسة عشر فرسخا، وإلى ثلاثة أيام ذهب عثمان بن عفان ، وابن مسعود ، وسويد بن غفلة ، والشعبي ، والنخعي ، والثوري ، وابن حي ، وأبو قلابة ، وشريك بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين ، وهو رواية عن عبد الله بن عمر ، وعن مالك : لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي، وذلك ستة عشر فرسخا، وهو قول أحمد ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون أصبعا معترضة معتدلة، والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات، وذلك يومان، وهو أربعة برد، هذا هو المشهور عنه كأنه احتج بما رواه الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه، وعطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان . وعبد الوهاب ضعيف، ومنهم من يكذبه، وعنه أيضا: خمسة وأربعون ميلا.

وللشافعي سبعة نصوص في المسافة التي تقصر فيها الصلاة: ثمانية وأربعون ميلا، ستة وأربعون، أكثر من أربعين، أربعون، يومان وليلتان، يوم وليلة. وهذا الآخر قال به الأوزاعي قال أبو عمر : قال الأوزاعي : عامة الفقهاء يقولون به.

قال أبو عمرو ، عن داود : يقصر في طويل السفر، وقصيره. زاد ابن حامد : حتى لو خرج إلى بستان له خارج البلد قصر، وزعم أبو محمد أنه لا يقصر عندهم في أقل من ميل، وروي الميل أيضا عن ابن عمر . روي عنه أنه قال: لو خرجت ميلا لقصرت ، وعنه: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ، وعنه: ثلاثة أميال، وعن ابن مسعود : أربعة أميال.

وفي " المصنف " حدثنا هشيم ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فرسخا قصر الصلاة .

وحدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن النزال : أن عليا رضي الله تعالى عنه خرج إلى النحيلة، فصلى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه، قال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم . وكان حذيفة يصلي ركعتين فيما بين الكوفة والمدائن ، وعن ابن عباس : تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة . وعن ابن عمر ، وسويد بن غفلة، وعمر بن الخطاب : ثلاثة أميال، وعن أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك – قصر . رواه مسلم .

قال أبو عمر : هذا عن يحيى بن يزيد الهنائي ، قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج. . إلى آخره. ويحيى شيخ بصري ليس لمثله أن يروي مثل هذا الذي خالف فيه جمهور الصحابة والتابعين، ولا هو ممن يوثق به في مثل ضبط هذا الأمر، وقد يحتمل أن يكون أراد سفرا بعيدا، ثم أراد ابتداء قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال، فيتفق حضور صلاة فيقصر، وعن الحسن : يقصر لمسيرة ليلتين.

وعند أبي الشعثاء : ستة أميال.

وعند مسلم ، عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشرة، أو ثمانية عشر ميلا، فصلى ركعتين، فقلت له، فقال: رأيت عمر رضي الله تعالى عنه صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ذكر السبب في إتمام عثمان الصلاة بمنى : للعلماء في ذلك أقوال منها أنه أتمها بمنى خاصة، قال أبو عمر : قال قوم: أخذ بالمباح في ذلك، إذ للمسافر أن يقصر ويتم، كما له أن يصوم ويفطر، وقال الزهري : إنما صلى بمنى أربعا ; لأن الأعراب كانوا كثيرين في ذلك العام، فأحبب أن يخبرهم بأن الصلاة أربع، وروى معمر ، عن الزهري : أن عثمان صلى بمنى أربعا ; لأنه أجمع الإقامة بعد الحج، وروى يونس عنه: لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف ، وأراد أن يقيم بها صلى أربعا، وروى مغيرة ، عن إبراهيم قال: صلى أربعا ; لأنه كان اتخذها وطنا، وقال البيهقي : وذلك مدخول ; لأنه لو كان إتمامه لهذا المعنى لما خفي ذلك [ ص: 120 ] على سائر الصحابة، ولما أنكروا عليه ترك السنة، ولما صلى ابن مسعود في منزله.

وقال ابن بطال : الوجوه التي ذكرت عن الزهري كلها ليست بشيء، أما الوجه الأول فقد قال الطحاوي : الأعراب كانوا بأحكام الصلاة أجهل في زمن الشارع، فلم يتم بهم لتلك العلة، ولم يكن عثمان ليخاف عليهم ما لم يخفه الشارع ; لأنه بهم رءوف رحيم ألا ترى أن الجمعة لما كان فرضها ركعتين لم يعدل عنها، وكان يحضرها الغوغاء والوفود، وقد تجوزوا أن صلاة الجمعة في كل يوم ركعتان.

وأما الوجه الثاني فلأن المهاجرين فرض عليهم ترك المقام بمكة ، وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر الرواحل، ويسرع الخروج من مكة خشية أن يرجع في هجرته التي هاجر لله تعالى ، وقال ابن التين : لا يمتنع ذلك إذا كان له أمر أوجب ذلك الضرورة، وقد قال مالك في "العتبية" فيمن يقيم بمنى ليخف الناس - يتم في أحد قوليه.

وأما الوجه الثالث فيه بعد، إذ لم يقل أحد إن المسافر إذا مر بما يملكه من الأرض، ولم يكن له فيها أهل أن حكمه حكم المقيم، وقيل: إنما كان عثمان أتم ; لأن أهله كانوا معه بمكة ، ويرد هذا أن الشارع كان يسافر بزوجاته، وكن معه بمكة ، ومع ذلك كان يقصر.

فإن قلت: روى عبد الله بن الحارث بن أبي ذئاب ، عن أبيه، وقد عمل الحارث لعمر بن الخطاب قال: صلى بنا عثمان أربعا، فلما سلم أقبل على الناس، فقال: إني تأهلت بمكة ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل ببلدة، فهو من أهلها، فليصل أربعا . وعزاه ابن التين إلى رواية ابن شخير : أن عثمان صلى بمنى أربعا، فأنكروا عليه، فقال: يا أيها الناس إني لما قدمت تأهلت بها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهل الرجل ببلدة فليصل بها صلاة المقيم .

قلت: هذا منقطع، أخرجه البيهقي من حديث عكرمة بن إبراهيم ، وهو ضعيف، عن ابن أبي ذئاب ، عن أبيه قال: صلى عثمان ، وقال ابن حزم : إن عثمان كان أمير المؤمنين ، فحيث كان في بلد فهو عمله، وللإمام تأثير في حكم الإتمام كما له تأثير في إقامة الجمعة إذا مر بقوم أنه يجمع بهم الجمعة، غير أن عثمان سار مع الشارع إلى مكة وغيرها، وكان مع ذلك يقصر، ورد بأن الشارع كان أولى بذلك، ومع ذلك لم يفعله، وصح عنه : أنه كان يصلي في السفر ركعتين إلى أن قبضه الله تعالى . وقال ابن بطال : والوجه الصحيح في ذلك والله أعلم أن عثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهما إنما أتما في السفر ; لأنهما اعتقدا في قصره صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لما خير بين القصر والإتمام اختار الأيسر من ذلك على أمته، وقد قالت عائشة : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فأخذت هي وعثمان في أنفسهما بالشدة، وتركا الرخصة إذ كان ذلك مباحا لهما في حكم التخيير فيما أذن الله تعالى فيه، ويدل على ذلك إنكار ابن مسعود الإتمام على عثمان ، ثم صلى خلفه وأتم، فكلم في ذلك، فقال: الخلاف شر.

التالي السابق


الخدمات العلمية