صفحة جزء
1039 ( وخرج علي - عليه السلام - فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة، قال: لا، حتى ندخلها ).
مطابقته للترجمة ظاهرة، والكلام فيه على أنواع.

الأول: في معناه، فقوله: " وخرج علي " أي: من الكوفة ; لأن قوله: " هذه الكوفة " يدل عليه قوله: " فقصر " أي: الصلاة الرباعية.

قوله: " وهو يرى البيوت " جملة حالية، أي: والحال أنه يرى بيوت الكوفة . قوله: " فلما رجع " أي: من سفره هذا. قوله: " هذه الكوفة " يعني: هل نتم الصلاة ؟ قال: لا، أي: لا نتم حتى ندخلها.

النوع الثاني: إن هذا التعليق أخرجه الحاكم موصولا من رواية الثوري عن وقاء بن إياس عن علي بن ربيعة قال: خرجنا مع علي - رضي الله تعالى عنه - فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت .

[ ص: 131 ] وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس : خرجنا مع علي رضي الله تعالى عنه متوجهين ههنا وأشار بيده إلى الشام فصلى ركعتين ركعتين، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا: يا أمير المؤمنين هذه الكوفة ، أنتم الصلاة ؟ قال: لا، حتى ندخلها .

ووقاء بكسر الواو وبعدها قاف ثم مدة ابن إياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف، قال صاحب التلويح: فيه كلام، وقال أبو عمر : روي مثل هذا عن علي من وجوه شتى، قلت: روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عباد بن العوام عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي أن عليا رضي الله تعالى عنه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين ، ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند " عن أبي حرب بن أبي الأسود أن عليا لما خرج من البصرة رأى خصا فقال: لولا هذا الخص لصلينا ركعتين، فقلت: وما الخص ؟ قال: بيت من القصب " قلت: هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة، قال أبو عمر : روى سفيان بن عيينة وغيره عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع علي بن أبي طالب إلى صفين فلما كان بين الجسر والقنطرة صلى ركعتين ، قال: وسنده صحيح.

النوع الثالث: في اختلاف العلماء في هذا الباب، فعندنا إذا فارق المسافر بيوت المصر يقصر وفي المبسوط: يقصر حين يخلف عمران المصر، وفي الذخيرة: إن كانت لها محلة منتبذة من المصر وكانت قبل ذلك متصلة بها فإنه لا يقصر ما لم يجاوزها ويخلف دورها، بخلاف القرية التي تكون بفناء المصر فإنه يقصر وإن لم يجاوزها، وفي التحفة: المقيم إذا نوى السفر ومشى أو ركب لا يصير مسافرا ما لم يخرج من عمران المصر ; لأن بنية العمل لا يصير عاملا ما لم يعمل ; لأن الصائم إذا نوى الفطر لا يصير مفطرا، وفي المحيط: والصحيح أنه تعتبر مجاوزة عمران المصر إلا إذا كان ثمة قرية أو قرى متصلة بربض المصر فحينئذ تعتبر مجاوزة القرى، وقال الشافعي : في البلد يشترط مجاوزة السور لا مجاوزة الأبنية المتصلة بالسور خارجة ، وحكى الرافعي وجها أن المعتبر مجاوزة الدور، ورجح الرافعي هذا الوجه في المجرد، والأول في الشرح، وإن لم يكن في جهة خروجه سور، أو كان في قرية يشترط مفارقة العمران، وفي المغني لابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت مصره أو قريته ويخلفها وراء ظهره.

قال: وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور ، وقال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وعن عطاء وسليمان بن موسى أنهما كانا يبيحان القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بالجماعة في منزله ركعتين وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله ، وعن عطاء أنه قال: إذا دخل عليه وقت صلاة بعد خروجه من منزله قبل أن يفارق بيوت المصر يباح له القصر ، وقال مجاهد : إذا ابتدأ السفر بالنهار لا يقصر حتى يدخل الليل، وإذا ابتدأ بالليل لا يقصر حتى يدخل النهار .

التالي السابق


الخدمات العلمية