صفحة جزء
1128 208 - حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن ابن بريدة، قال: حدثني عبد الله المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل صلاة المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سنة.


مطابقته للترجمة ظاهرة، ولم يذكر الصلاة قبل العصر مع أن أبا داود والترمذي وأحمد رووا عن أبي هريرة مرفوعا " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا "، وأخرجه ابن حبان وصححه لكونه على غير شرطه، وقد ذكرنا هذا الباب فيما مضى مستوفى.

(ذكر رجاله) وهم خمسة:

الأول: أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري .

الثاني: عبد الوارث بن سعيد يكنى بأبي عبيدة .

الثالث: حسين بن ذكوان المعلم .

الرابع: عبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة.

الخامس: عبد الله بن المغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة، المزني بضم الميم وفتح الزاي وبالنون.

(ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في موضع واحد، وفيه أن رواته كلهم بصريون غير ابن بريدة ، فإنه مروزي.

(ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره): أخرجه البخاري أيضا في "الاعتصام" عن أبي معمر أيضا، وأخرجه أبو داود في "الصلاة" عن عبيد الله بن عمر القواريري .

(ذكر معناه):

قوله: " صلوا قبل صلاة المغرب " ، وفي رواية أبي داود عن القواريري بالإسناد المذكور " صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين "، قوله: " قال في الثالثة: لمن شاء " هذا يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: صلوا قبل صلاة المغرب ثلاث مرات، وكذا وقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ثلاث مرات، وقال في الثالثة: لمن شاء.

وفي [ ص: 246 ] رواية أبي نعيم في المستخرج " صلوا قبل المغرب ركعتين قالها ثلاثا، ثم قال لمن شاء ".

قوله: " كراهية أن يتخذها الناس سنة " ، وفي رواية أبي داود : " خشية أن يتخذها الناس سنة " وانتصاب كراهية وخشية على التعليل، ومعنى سنة: طريقة لازمة يواظبون عليها.

(ذكر ما يستفاد منه) اختلف السلف في التنفل قبل المغرب ، فأجازه طائفة من الصحابة والتابعين والفقهاء، وحجتهم هذا الحديث وأمثاله، وروي عن جماعة من الصحابة وغيرهم أنهم كانوا لا يصلونها، وقال ابن العربي : اختلف الصحابة فيهما ولم يفعلهما أحد بعدهم، وقال سعيد بن المسيب : ما رأيت فقيها يصليهما إلا سعد بن أبي وقاص ، وذكر ابن حزم أن عبد الرحمن بن عوف كان يصليهما، وكذا أبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وجابر وخمسة آخرون من أصحاب الشجرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقال حبيب بن سلمة : رأيت الصحابة يهبون إليها كما يهبون إلى صلاة الفريضة ، وسئل عنهما الحسن فقال: حسنتان لمن أراد بهما وجه الله تعالى ، وقال ابن بطال : وهو قول أحمد وإسحاق . وفي المغني ظاهر كلام أحمد أنهما جائزتان، وليستا سنة. قال الأثرم : قلت لأحمد : الركعتين قبل المغرب قال: ما فعلته قط إلا مرة حين سمعت الحديث. قال: وفيهما أحاديث جياد - أو قال صحاح - عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، إلا أنه قال لمن شاء، فمن شاء صلى.

وعند البيهقي : عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال: كان المهاجرون لا يركعونهما، وكانت الأنصار تركعهما. ومن حديث مكحول عن أبي أمامة : كنا لا ندع الركعتين قبل المغرب في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن بطال : قال النخعي : لم يصلهما أبو بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله تعالى عنهم. قال إبراهيم : وهي بدعة. قال: وكان خيار الصحابة بالكوفة : علي ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو مسعود : أخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحدا منهم يصلي قبل المغرب ، قال: وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي ، وفي شرح المهذب: لأصحابنا فيها وجهان أشهرهما: لا يستحب، والصحيح عند المحققين استحبابهما.

وقال بعض أصحابنا: إن حديث عبد الله المزني محمول على أنه كان في أول الإسلام ليتبين خروج الوقت المنهي عن الصلاة فيه بمغيب الشمس وحل فعل النافلة والفريضة، ثم التزم الناس المبادرة لفريضة الوقت; لئلا يتبطأ الناس بالصلاة عن وقتها الفاضل، وادعى ابن شاهين أن هذا الحديث منسوخ بحديث عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب " ، ويزيده وضوحا ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي شعيب ، " عن طاوس قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدا عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ورخص في الركعتين بعد العصر ". قال أبو داود : سمعت يحيى بن معين يقول: هو شعيب ، يعني وهم شعبة في اسمه.

(قلت): يعني وهم في ذكره بالكنية وليس كذلك، بل هو شعيب ، وسنده صحيح، وقال ابن حزم : لا يصح; لأنه عن أبي شعيب ، أو شعيب ، ولا يدرى من هو، ورد عليه بأن وكيعا وابن ابن غنية رويا عنه، وقال أبو زرعة : لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن خلفون : روى عنه عمر بن عبيد الطنافسي ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي .

التالي السابق


الخدمات العلمية