صفحة جزء
100 [ ص: 129 ] وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم : انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه ; فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا يقبل إلا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وليفشوا العلم ، وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ; فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا .
هذا تعليق لم يقع وصله عند الكشميهني وكريمة وابن عساكر ، ووقع وصله للبخاري عند غيرهم ، وهو بقوله في بعض النسخ : حدثنا العلاء بن عبد الجبار إلى آخره ، على ما يأتي ذكره عن قريب ، وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ : " كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى الآفاق : انظروا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم فاجمعوه " .

أما عمر بن عبد العزيز فهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين ، وقد مر في كتاب الإيمان ، وأما أبو بكر بن حزم فهو ابن محمد بن عمرو بن حزم - بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي - ابن زيد بن لودان بن عمر بن عبد عوف بن مالك بن النجار الأنصاري المدني ، قال الخطيب : يقال : إن اسمه أبو بكر ، وكنيته أبو محمد . ومثله أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أحد الفقهاء السبعة ، كنيته أبو عبد الرحمن ، قال الخطيب : لا نظير لهما ، وقد قيل في أبي بكر بن محمد : إنه لا كنية له غير أبي بكر ، اسمه وقال أبو عمر بن عبد البر : قيل : إن اسم أبي بكر بن عبد الرحمن هذا المغيرة ، ولا يصح . قلت : أراد الخطيب بقوله : " لا نظير لهما " أي ممن اسمه اسم أبو بكر ، وله كنية ، وأما من اشتهر بكنيته ولم يعرف له اسم غيره فكثير ، ذكر ابن عبد البر منهم جماعة ، وأبو بكر بن حزم ولي القضاء والإمرة والموسم لسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ، وقال الواقدي : لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ولى اسم أبا بكر إمرة المدينة ، فاستقضى اسم أبو بكر ابن عمه على القضاء ، وكان أبو بكر هو الذي يصلي بالناس ويتولى أمرهم ، وكان يخضب بالحناء والكتم ، توفي سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك ، وهو ابن أربع وثمانين سنة ، روى له الجماعة إلا الترمذي ، سئل يحيى بن معين عن حديث عثمان بن حكيم ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مرسل .

قوله : " انظر ما كان من حديث " أي اجمع الذي تجد ، ووقع هنا للكشميهني عندك معناه في بلدك قوله : " فاكتبه " فيه إشارة إلى أن ابتداء تدوين الحديث النبوي كان في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ ، فلما خاف عمر رضي الله عنه - وكان على رأس المائة الأولى - من ذهاب العلم بموت العلماء ، رأى أن في تدوينه ضبطا له وإبقاء ، قوله : " فإني " الفاء فيه للتعليل ، قوله : " دروس العلم " بضم الدال من درس يدرس من باب نصر ينصر دروسا ، أي عفى ، ودرست الكتاب أدرسه وأدرسه ; من باب نصر ينصر ، وضرب يضرب ، درسا ودراسة ، ودرس الحنطة درسا ودراسا أي داسها ، قوله : " ولا يقبل " بضم الياء أعني حرف المضارعة ، قوله : " وليفشوا " بصيغة الأمر من الإفشاء ، وهو الإشاعة ، ويجوز فيه تسكين اللام كما في بعض الروايات ، وقوله : " العلم " بالنصب مفعوله ، قوله : " وليجلسوا " بصيغة الأمر أيضا من الجلوس لا من الإجلاس ، ويجوز في لامه التسكين أيضا ، قوله : " حتى يعلم " على صيغة المجهول من التعليم ، أعني بتشديد اللام . وفي رواية الكشميهني " حتى يعلم " بفتح حرف المضارعة واللام من العلم ، قوله : " من لا يعلم " بصيغة المعلوم من العلم ، وكلمة من موصولة في محل الرفع ; لأنه فاعل يعلم الذي هو على صيغة المعلوم ، وأما إذا قرئ على صيغة المجهول من التعليم ، فتكون مفعولا ناب عن الفاعل ، فافهم . قوله : " لا يهلك " بفتح حرف المضارعة وكسر اللام ، أي لا يضيع ، وفتح اللام لغة ، وقرأ الحسن البصري وأبو حيوة وابن أبي إسحاق : ويهلك الحرث والنسل بفتح الياء واللام ورفع الثاء ، قوله : " حتى يكون سرا " أي خفية ، وأراد به كتمان العلم .

وقال ابن بطال : في أمر عمر بن عبد العزيز بكتابة حديث النبي عليه الصلاة والسلام خاصة وأن لا يقبل غيره - الحض على اتباع السنن وضبطها ; إذ هي الحجة عند الاختلاف ، وفيه : ينبغي للعالم نشر العلم وإذاعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية