صفحة جزء
1155 (ويذكر عن عبد الله بن عمرو: نفخ النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده في كسوف).


مطابقته للترجمة ظاهرة، وفيه ما يدل على ما ذكرنا; لأنه ذكره مطلقا، واعترض أبو عبد الملك بأن البخاري ذكر النفخ، ولم يذكر فيه حديثا. (قلت): هذا عجيب منه، فكأنه لم يطلع على ما ذكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو تعليق أسنده أبو داود من حديث عطاء بن السائب عن أبيه عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث، وفيه: ثم نفخ في آخر سجوده، فقال: أف أف ، إلى آخره، وأخرجه الترمذي ، والنسائي ، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح، وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض; لأنه من رواية عطاء بن السائب عن أبيه; لأنه مختلف فيه في الاحتجاج به، وقد اختلط في آخر عمره، لكن أورده ابن خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه، وأبوه وثقه العجلي ، وابن حبان ، وليس هو من شرط البخاري ، وقد فسر النفخ في الحديث بقوله: " فقال: أف أف "، بتسكين الفاء، وأف لا تكون كلاما حتى تشدد الفاء، فتكون على ثلاثة أحرف من التأفيف، وهو قولك: أف لكذا، فأما أف، والفاء فيه خفيفة فليس بكلام، والنافخ لا يخرج الفاء مشددة، ولا يكاد يخرجها فاء صادقة من مخرجها، ولكنه يفشها من غير إطباق الشفة على الشفة، وما كان كذلك لا يكون كلاما، وبهذا استدل أبو يوسف على أن المصلي إذا قال في صلاته: أف، أو آه، أو أخ، لا تفسد صلاته، وقال أبو حنيفة ومحمد : تفسد; لأنه من كلام الناس، وأجابا بأن هذا كان، ثم نسخ، وذكر ابن بطال أن العلماء اختلفوا في النفخ في الصلاة فكرهه طائفة، ولم يوجبوا على من نفخ إعادة، روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس ، والنخعي ، وهو رواية عن ابن زياد ، وعن مالك أنه قال: أكره النفخ في الصلاة، ولا يقطعها كما يقطع الكلام، وهو قول أبي يوسف ، وأشهب ، وأحمد ، وإسحاق ، وقالت طائفة: هو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة، روي ذلك عن سعيد بن جبير ، وهو قول مالك في المدونة، وفيه قول ثالث، وهو أن النفخ إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة، وهذا قول الثوري ، وأبي حنيفة ، ومحمد ، والقول الأول أولى لحديث ابن عمرو . قال: ويدل على صحة هذا أيضا اتفاقهم على جواز النفخ والبصاق في الصلاة ، وليس في النفخ من النطق بالفاء والهمزة أكثر مما في البصاق من النطق بالفاء والتاء اللتين فيهما من رمي البصاق، ولما [ ص: 292 ] اتفقوا على جواز الصلاة في البصاق جاز النفخ فيها إذ لا فرق بينهما في أن كل واحد منهما بحروف، ولذلك ذكر البخاري حديث البصاق في هذا الباب ليستدل على جواز النفخ; لأنه لم يسند حديث ابن عمرو ، واعتمد على الاستدلال من حديث النخامة، والبصاق، وهو استدلال حسن.

(قلت): يعكر عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد جيد أنه قال: النفخ في الصلاة كلام ، وروي، عنه أيضا بإسناد صحيح أنه قال: والنفخ في الصلاة يقطع الصلاة . وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون كلاما يعني النفخ في الصلاة ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: وفرق أصحابنا في النفخ بين أن يبين منه حرفان أم لا، فإن بان منه حرفان وهو عامد عالم بتحريمه بطلت صلاته، وإلا فلا، وحكاه ابن المنذر ، عن مالك ، وأبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل ، وقال أبو يوسف : لا تبطل إلا أن يريد به التأفيف، وهو قول: أف، وقال ابن المنذر : ثم رجع أبو يوسف ، فقال: لا تبطل صلاته مطلقا، وحكى ابن العربي ، وغيره، عن مالك خلافا، وأنه قال في المختصر: النفخ كلام لقوله تعالى: فلا تقل لهما أف وقال في المجموعة: لا يقطع الصلاة، وقال الأبهري من المالكية : ليس له حروف هجاء، فلا يقطع الصلاة، وقال شيخنا: وما حكيناه عن أصحابنا هو الذي جزم به النووي في الروضة، وفي شرح المهذب، ثم أنه حكى الخلاف فيه في المنهاج تبعا للمحرر، فقال فيه: والأصل أن التنحنح، والضحك، والبكاء، والأنين، والنفخ إن ظهر به حرفان بطلت، وإلا فلا.

التالي السابق


الخدمات العلمية