صفحة جزء
1180 ( ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله ) .
هذا من الترجمة ، وفي غالب النسخ : " باب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله " ، أي هذا باب في بيان حال من كان آخر كلامه عند خروجه من الدنيا : " لا إله إلا الله " ، ولم يذكر جواب من ، وهو في الحديث مذكور ، وهو لفظ ( دخل الجنة ). وقد رواه أبو داود عن مالك بن عبد الواحد المسمعي ، عن الضحاك بن مخلد ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة الحضرمي ، عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعلم أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وفي مسند مسدد عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله - قالها ثلاثا ، قال : بشر الناس أنه من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة "، وروى أبو يعلى في مسنده عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني ، قال : أشهد على أبي أنه قال : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال الكرماني : قوله : لا إله إلا الله ، أي هذه الكلمة ، والمراد هي وضميمتها محمد رسول الله .

( قلت ) : ظاهر الحديث في حق المشرك ، فإنه إذا قال : لا إله إلا الله يحكم بإسلامه ، فإذا استمر على ذلك إلى أن مات دخل الجنة ، وأما الموحد من الذين ينكرون نبوة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يدعي أنه مبعوث للعرب خاصة ، فإنه لا يحكم بإسلامه بمجرد قوله : لا إله إلا الله ، فلا بد من ضميمة [ ص: 3 ] محمد رسول الله على أن جمهور علمائنا شرطوا في صحة إسلامه بعد التلفظ بالشهادتين أن يقول : تبرأت عن كل دين سوى دين الإسلام ، ومراد البخاري من هذه الترجمة أن من قال : لا إله إلا الله من أهل الشرك ومات لا يشرك بالله شيئا ، فإنه يدخل الجنة ، والدليل على ذلك حديث الباب على ما نذكر ما قالوا فيه . وقيل : يحتمل أن يكون مراد البخاري الإشارة إلى من قال : لا إله إلا الله عند الموت مخلصا كان ذلك مسقطا لما تقدم له ، والإخلاص يستلزم التوبة والندم ، ويكون النطق علما على ذلك .

قلت : يلزم مما قاله أن من قال : لا إله إلا الله ، واستمر عليه ، ولكنه عند الموت لم يذكره ، ولم يدخل تحت هذا الوعد الصادق والشرط أن يقول : لا إله إلا الله واستمر عليه - فإنه يدخل الجنة ، وإن لم يذكره عند الموت ; لأنه لا فرق بين الإسلام النطقي وبين الحكمي المستصحب ، وأما أنه إذا عمل أعمالا سيئة فهو في سعة رحمة الله تعالى مع مشيئته ، فإن قلت : لم حذف البخاري جواب " من " من الترجمة مع أن لفظ الحديث : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ؟ . قلت : قيل : مراعاة لتأويل وهب بن منبه ; لأنه لما قيل له : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان إلى آخره ، فكأنه أشار بهذا إلى أنه لا بد له من الطاعات ، وأن بمجرد القول به بدون الطاعات لا يدخل الجنة ، فظن هذا القائل أن رأي البخاري في هذا مثل رأي وهب ، فلذلك حذف لفظ دخل الجنة الذي هو جواب "من" . قلت : الذي يظهر أن حذفه إنما كان اكتفاء بما ذكر في حديث الباب ، فإنه صرح بأن من مات ، ولم يشرك بالله شيئا ، فإنه يدخل الجنة ، وإن ارتكب الذنبين العظيمين المذكورين فيه مع أن الداودي قال : قول وهب محمول على التشديد ، أو لعله لم يبلغه حديث أبي ذر ، وهو حديث الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية