صفحة جزء
1186 6 - حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة ، فطار لنا عثمان بن مظعون ، فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه ، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه ، فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله ، فقال : أما هو فقد جاءه اليقين ، والله إني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ، قالت : فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا .
مطابقته للترجمة في قوله : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني على عثمان بعد أن غسل وكفن ، وهذه المطابقة أظهر من مطابقة الحديث السابق للترجمة .

ذكر رجاله .

وهم ستة الأول يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي . الثاني الليث بن سعد . الثالث عقيل بضم العين ابن خالد . الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الخامس خارجة اسم فاعل من الخروج ابن زيد بن ثابت الأنصاري ، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة مات سنة مائة . السادس أم العلاء بنت الحارث .

[ ص: 16 ] ابن ثابت بن خارجة الأنصارية .


ذكر لطائف إسناده :

فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار بصيغة الإفراد في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه مذكور باسم جده ، وأنه وشيخه مصريان ، وعقيل أيلي وابن شهاب وخارجة مدنيان ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية ، وفيه أم العلاء ، ذكر في تهذيب الكمال . ويقال : إن أم العلاء زوجة زيد بن ثابت ، وأم أبيه خارجة ، وقال الكرماني قال الترمذي : هي أم خارجة ، ثم قال : ولا يخفى أن ذكر خارجة مبهمة لا يخلو عن غرض ، أو أغراض .

ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره :

أخرجه البخاري أيضا في الشهادات ، وفي التفسير عن أبي اليمان ، وفي الهجرة عن موسى بن إسماعيل ، وفي التفسير أيضا عن عبدان ، وفي التعبير والجنائز أيضا عن سعيد بن عقيل . وأخرجه النسائي في الرؤيا عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك به .

ذكر معناه : قوله " أم العلاء " منصوب بأن وخبره قوله " أخبرته " قوله : " امرأة من الأنصار " عطف بيان ، ويجوز أن يرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هي امرأة من الأنصار . قوله " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم" جملة في محل الرفع ، أو النصب على أنها صفة لامرأة على الوجهين . قوله " أنه " الضمير فيه للشأن قوله " اقتسم المهاجرون قرعة " اقتسم على صيغة المجهول ، " والمهاجرون " مفعول ناب عن الفاعل ، وقرعة منصوب بنزع الخافض ، أي بقرعة ، والمعنى اقتسم الأنصار المهاجرين بالقرعة في نزولهم عليهم وسكناهم في منازلهم ; لأن المهاجرين لما دخلوا المدينة لم يكن معهم شيء من أموالهم ، فدخلوها فقراء ، وكان بنو مظعون ثلاثة عثمان وعبد الله وقدامة بدريون ، أخوال ابن عمر . قوله " فطار لنا عثمان " يعني وقع في القرعة في سهم الأنصار الذين أم العلاء منهم ، ويروى : " فصار لنا " ، فإن ثبتت هذه الرواية فمعناها صحيح . قوله " وجعه " نصب على المصدر قوله " أبا السائب " بالسين المهملة ، وفي آخره باء موحدة منادى حذف حرف ندائه ، والتقدير " يا أبا السائب " وهو كنية عثمان بن مظعون ، ولفظ البخاري في كتاب الشهادات في باب القرعة في المشكلات " أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكنى حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين " قالت أم العلاء " فسكن عندنا عثمان بن مظعون فاشتكى فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب " ، وفي كتاب الهجرة والتعبير " قالت أم العلاء : فأحزنني ذلك فنمت فأوريت له عينا تجري فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : ذاك عمله يجري له " . قوله " فشهادتي عليك " جملة من المبتدأ والخبر ، ومثل هذا التركيب يستعمل عرفا ، ويراد به معنى القسم كأنها قالت : أقسم بالله لقد أكرمك الله ، قال الكرماني : " شهادتي " مبتدأ ، " وعليك " صلته والقسم مقدر والجملة القسمية خبر المبتدأ ، وتقديره شهادتي عليك ، " قولي والله لقد أكرمك الله " ثم قال : فإن قلت هذه الشهادة له لا عليه . قلت : المقصود منها معنى الاستعلاء فقط بدون ملاحظة المضرة والمنفعة . قوله : " وما يدريك " بكسر الكاف ، أي : من أين علمت أن الله أكرمه ، أي عثمان قوله : " بأبي أنت " ، أي مفدى أنت بأبي ، وقد ذكرناه عن قريب قوله " فمن يكرمه الله " ، أي هو مؤمن خالص مطيع ، فإذا لم يكن هو من المكرمين من عند الله ، فمن يكرمه ؟ قوله : " أما هو " ، أي عثمان وكلمة " أما " تقتضي القسيم ، وقسميهما هنا مقدر تقديره : وأما غيره فخاتمة أمره غير معلومة أهو مما يرجى له الخير عند اليقين ، أي الموت أم لا قوله " والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " كلمة ما موصولة ، أو استفهامية قال الداودي : ما يفعل بي وهم والصواب ما يفعل به ، أي بعثمان ; لأنه لا يعلم من ذلك إلا ما يوحى إليه . وقيل قوله " ما يفعل بي " يحتمل أن يكون قبل إعلامه بالغفران له ، أو يكون المعنى ما يفعل بي في أمر الدنيا مما يصيبهم فيها ، فإن قلت : عثمان هذا أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر الهجرتين وشهد بدرا ، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أهل بدر غفر الله لهم . قلت : قد قيل بأن ذلك قبل أن يخبر أن أهل بدر من أهل الجنة ، فإن قلت : هذا أيضا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله تعالى عنه " ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " . قلت : لا تعارض في ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، فأنكر على أم العلاء قطعها على عثمان إذ لم تعلم هي من أمره شيئا ، وفي حديث جابر قال : ما علمه إلا بطريق الوحي ; إذ لا يقطع على مثل هذا إلا بوحي حاصله أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم إخبار من لا ينطق عن الهوى ، وذلك كلام أم العلاء ، وليسا بالسواء .

ذكر ما يستفاد منه : فيه دليل على أنه لا يجزم لأحد بالجنة إلا ما نص عليه الشارع كالعشرة المبشرة وأمثالهم [ ص: 17 ] سيما والإخلاص أمر قلبي لا اطلاع لنا عليه ، وفيه مواساة الفقراء الذين ليس لهم مال ولامنزل ببذل المال وإباحة المنزل ، وفيه إباحة الدخول على الميت بعد التكفين ، وفيه جواز القرعة ، وفيه الدعاء للميت .

التالي السابق


الخدمات العلمية