صفحة جزء
1191 12 - ( حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ) .
مطابقته للترجمة ظاهرة ، وذكر الولد فيها يتناول الثلاثة فما فوقها . فإن قلت : ذكر فيها الاحتساب ، وليس ذلك في الحديث . قلت : هو مراد فيه ، وإن لم يذكر صريحا ; لأن دخول الجنة لا يكون إلا بالاحتساب فيه .

ذكر رجاله .

وهم أربعة : الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو . الثاني عبد الوارث بن سعيد . الثالث عبد العزيز بن صهيب ، وصرح به في رواية ابن ماجه . الرابع : أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه .

ذكر لطائف إسناده :

فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم بصريون ، وفيه أنه من الرباعيات .

والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه جميعا في الجنائز عن يوسف بن حماد ، وعند النسائي : " من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة ، فقامت امرأة فقالت : أو اثنان ؟ قال : واثنان . قالت المرأة : يا ليتني قلت : واحدا " .

ذكر معناه : قوله : " ما من الناس من مسلم " كلمة " من " الأولى بيانية ، والثانية زائدة ، وهو اسم لما قوله " ثلاثة " ، أي ثلاثة أولاد ، ويروى " ثلاث " لا يقال الولد مذكر ، فلا بد من علامة التأنيث فيه ; لأنا نقول : إذا كان المميز محذوفا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث. قوله : " يتوفى " على صيغة المجهول ، أي يموت . قوله : " لم يبلغوا الحنث " بكسر الحاء المهملة وسكون النون ، وفي آخره ثاء مثلثة ، كذا هو في جميع الروايات ، وحكى صاحب المطالع عن الداودي أنه روى : " لم يبلغوا [ ص: 30 ] الخبث " بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة ، أي : لم يبلغوا فعل المعاصي ، قال : وهذا لا يعرف ، إنما هو الحنث وهو المحفوظ . قال أبو المعالي في المنتهى : بلغ الغلام الحنث ، أي بلغ مبلغا تجري عليه الطاعة والمعصية ، وفي المحكم : الحنث الحلم ، وقال الخليل : بلغ الغلام الحنث ، أي جرى عليه القلم والحنث الذنب ، قال تعالى : وكانوا يصرون على الحنث العظيم وقيل : المراد بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث ، وقال الراغب : عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه ، بخلاف ما قبله . قوله " إلا أدخله الجنة " هذا الاستثناء وما بعده خبر قوله : " ما من مسلم " . قوله : " بفضل رحمته " ، أي بفضل رحمة الله للأولاد . وقيل : إن الضمير في " رحمته " يرجع إلى الأب ; لكونه كان يرحمهم في الدنيا ، فيجازى بالرحمة في الآخرة ، وردذلك بأن الضمير يرجع إلى الله تعالى بدليل ما روي في رواية ابن ماجه من هذا الوجه : " بفضل رحمة الله إياهم " . وفي رواية النسائي من حديث أبي ذر : " إلا غفر الله لهما بفضل رحمته " ، وكذا في حديث الحارث بن وقيش ، وقد مر عن قريب . وكذا في حديث عمرو بن عبسة ، وقد مر أيضا ، فكأن هذا القائل لم يطلع على الأحاديث المذكورة ، وتصرف فيما قاله . قوله : " إياهم " الضمير يرجع إلى قوله : " ثلاثة من الولد " ، وقال الكرماني : الظاهر أن المراد به المسلم الذي توفيت أولاده لا الأولاد ، وإنما جمع باعتبار أنه نكرة في سياق النفي تفيد العموم. قلت : الظاهر غير ظاهر ; لأن في غير طريق هذا الحديث ما يدل على أن الضمير للأولاد ، وذلك في حديث عمرو بن أبي عبسة وأبي ثعلبة الأشجعي ، وقد مر ذكرهما ، وقد تكلف الكرماني فيما قاله لعدم اطلاعه على هذه الأحاديث ، وقد علم أن الأحاديث يفسر بعضها بعضا ، ولا سيما إذا كانت في قضية واحدة ; فافهم .

( ذكر ما يستفاد منه ) فيه خص الصغير ; لأن الشفقة عليهم أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر ، وعلى هذا فمن بلغ الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب ، وإن كان في فقد الولد مطلقا أجر في الجملة ، وعلى هذا كثير من العلماء ; لأن البالغ يتصور منه العقوق المقتضي لعدم الرحمة ، بخلاف الصغير ، فإنه لا يتصور منه ذلك ; لأنه غير مخاطب . وقيل : بل يدخل الكبير في ذلك من طرق الفحوى ; لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه إليه الخطاب بالحقوق قال هذا القائل : دليل هذا هو السر في إلغاء البخاري التقييد بذلك في الترجمة قيل : يقول الأول قوله : " بفضل رحمته إياهم " ; لأن الرحمة للصغار أكثر لعدم حصول الإثم منهم . قلت : رحمة الله واسعة تشمل الصغير والكبير ، فلا يحتاج إلى التقييد . فإن قلت : هل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا واستمر على ذلك فمات ؟ قلت : الظاهر أنه يلحق لعدم الخطاب . فإن قلت : في الناس من يكره ولده ويتبرأ منه ، ولا سيما إذا كان ضيق الحال . قلت : لما كان الولد مظنة المحبة نيط بها الحكم ، وإن كان يوجد التخلف في بعض الأفراد . فإن قلت : هل يدخل أولاد الأولاد في هذا الحكم ؟ قلت : الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق حفص بن عبيد الله عن أنس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة " . الحديث ، يدل على أن أولاد الأولاد لا يدخلون ، وكذلك حديث عثمان بن أبي العاص : " رجل سلف بين يديه ثلاثة من صلبه في الإسلام " ، وقد مر عن قريب ، ولكن الظاهر أن أولاد الأولاد الذكور منهم يدخلون وأولاد البنات لا يدخلون ، وفيه التقييد بالإسلام ليدل على اختصاص ذلك الثواب بالمسلم . فإن قلت : من مات له أولاد في الكفر ثم أسلم هل يدخل فيه . قلت : حديث أبي ثعلبة الأشجعي وحديث عمرو بن عبسة اللذين قد ذكرا عن قريب يدلان على عدم ذلك ، وفيه دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة قال في التوضيح : وهو إجماع ولا عبرة للمجبرة ; حيث جعلوهم تحت المشيئة ، فلا يعتد بخلافهم ولا بوفاقهم ، وفي أطفال المشركين اختلاف بين العلماء ; فذهب جماعة إلى التوقف في أطفال المشركين أن يكونوا في جنة أو نار منهم ابن المبارك وحماد وإسحاق لحديث أبي هريرة : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأطفال ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين " ، كذا قال الأطفال ، ولم يخص طفلا من طفل . قال الطبراني في معجمه الأوسط : " روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لعائشة في أطفال المشركين : " إن شئت دعوت الله تعالى أن يسمعك تضاغيهم في النار " ، وقال سمرة بن جندب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولاد المشركين هم خدم أهل الجنة " . وروي عنه أنه سئل عنهم ، فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " . فرجع الأمر إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بما كانوا عاملين ; فمن سبق علم [ ص: 31 ] الله فيه أنه لو كبر آمن هم الذين قال : " هم خدم أهل الجنة " وهو قول أهل السنة . فإن قلت : روى أبو داود الطيالسي : حدثنا قيس بن الربيع عن يحيى بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة : " عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي من الأنصار ليصلي عليه ، فقالت : طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوأ قط ، ولم يدره ، فقال : يا عائشة أولا تدرين أن الله تبارك خلق الجنة وخلق لها أهلا ، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم ؟ " . وروي : " عن سلمة بن يزيد الجعفي قال : قلت : يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية ، وإنها وأدت أختا لنا لم تبلغ الحنث في الجاهلية ، فهل ذلك نافع أختنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الوائدة والموءودة فإنهما في النار إلا أن يدرك الإسلام " . وروى بقية عن محمد بن يزيد الألهاني قال : سمعت عبد الله بن قيس سمعت عائشة : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المسلمين ، فقال : هم من آبائهم . قلت : بلا عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، وسألته عن ذراري المشركين ، فقال : مع آبائهم . قلت : بلا عمل قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . وروى أبو داود الطيالسي من حديث أبي عقيل صاحب بهية عن بهية " عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين " . الحديث . قلت : قيس بن الربيع وأبو عقيل وبقية متكلم فيهم فأحاديثهم ضعاف ، وقال أبو عمر : " قوله إن الله خلق الجنة " إلى آخره ساقط ضعيف مردود بالإجماع ، وفي إسناده طلحة بن يحيى وهو ضعيف. قلت : كيف يقال : إنه ساقط وطلحة ضعيف ، والحديث أخرجه مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ،عن طلحة بن يحيى ، عن عمته عائشة بنت طلحة : "عن عائشة أم المؤمنين قالت : دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار ، فقلت يا رسول الله : طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ، ولم يدركه . قال : أو غيرذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب الرجال ، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم " . والجواب عنه أن المراد به النهي عن المسارعة إلى القطع من غير دليل قاطع .

وقيل : ذلك قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم كونهم في الجنة ، فلما علم ذلك أثبته بحديث شفاعة الأطفال . ويقال على تقدير الصحة يعارض الأحاديث المذكورة ما في الصحيحمن حديث سمرة حديث الرؤيا : " وأما الرجل الذي في الروضة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة . قيل : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ قال : وأولاد المشركين " ، وفي لفظ : " وأما الشيخ في أصل الشجرة فإبراهيم عليه الصلاة والسلام والصبيان حوله أولاد الناس " ، وروى الحاكم عن أبي هريرة على شرط الشيخين يرفعه : " أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة " ، وفي التمهيد حديث مفسر يقضي على ما روي في الأحاديث بأن ذلك كان في أحوال ثلاثة عن عائشة أن خديجة رضي الله تعالى عنها : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين ، فقال : هم مع آبائهم ، ثم سألته بعد ذلك ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، ثم بعدما استحكم الإسلام ونزلت : ولا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على الفطرة ، وذكر محمد بن سنجر في مسنده ، حدثنا هودة ، حدثنا عوف " عن خنساء بنت معاوية قالت : حدثني عمي ، قال : قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي : في الجنة والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والوئيد في الجنة " . وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألت ربي في اللاهين يعني الأطفال من ذرية المشركين أن لا يعذبهم فأعطانيهم " ، وروى الحجاج بن نصير عن المبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أنس يرفعه : " أولاد المشركين خدم أهل الجنة " ، وروى الحكيم في نوادر الأصول عن أبي طالب الهروي، حدثنا يوسف بن عطية ، حدثنا أنس بلفظ : " كل مولود من ولد كافر ، أو مسلم فإنهم إنما يولدون على فطرة الإسلام كلهم ، وفي حديث عياض بن حماد المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : " إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم ، وقال : إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي وحرمت عليهم ما أحللت لهم . والجواب عن حديث سلمة بن يزيد أنه وإن كان صحيحا ، ولكنه يحتمل أن يكون خرج على جواب السائل في غير مقصوده ، فكانت الإشارة إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية