صفحة جزء
106 47 - حدثنا علي بن الجعد قال : أخبرنا شعبة قال : أخبرني منصور قال : سمعت ربعي بن حراش يقول : سمعت عليا يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تكذبوا علي ; فإنه من كذب علي فليلج النار .
مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن الحديث في النهي عن الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام المستلزم للإثم المستلزم لدخول النار ، والترجمة في بيان إثم من كذب عليه عليه السلام .

بيان رجاله : وهم خمسة :

الأول : علي بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة الجوهري البغدادي ، وقد تقدم .

الثاني : شعبة بن الحجاج .

الثالث : منصور بن المعتمر .

الرابع : ربعي - بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف - ابن حراش - بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة - ابن جحش - بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة - ابن عمرو بن عبد الله بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر الغطفاني العبسي بالموحدة ، أبو مريم الكوفي الأعور العابد الورع ، يقال : إنه لم يكذب قط ، وكان له ابنان عاصيان على الحجاج ، فقيل للحجاج : إن أباهما لم يكذب كذبة قط ، لو أرسلت إليه فسألته عنهما ، فأرسل إليه ، فقال : هما في البيت ، فقال : قد عفونا عنهما لصدقك ، وحلف أن لا يضحك حتى يعلم أين مصيره ; إلى الجنة أو إلى النار ، فما ضحك إلا بعد موته ، وله أخوان : مسعود ، وهو الذي تكلم بعد الموت ، وربيع ، وهو أيضا حلف أن لا يضحك حتى يعرف أفي الجنة أم لا ، فقال غاسله : إنه لم يزل مبتسما على سريره حتى فرغنا ، وقال ابن المديني : لم يرو عن مسعود شيء إلا كلامه بعد الموت ، وقال الكلبي : كتب النبي عليه الصلاة والسلام إلى حراش بن جحش ، فحرق كتابه ، وليس لربعي عقب ، والعقب لأخيه مسعود ، وقال ابن سعد : حدث عن علي ، ولم يقل : سمع ، وعن أبي الحسن القابسي أنه لم يصح لربعي سماع من علي رضي الله عنه غير هذا الحديث ، وقدم الشام ، وسمع خطبة عمر رضي الله عنه بالجابية ، قال العجلي : تابعي ، ثقة ، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وقيل : توفي سنة أربع ومائة ، وليس في الصحيحين حراش بالمهملة سواه ، والربعي بحسب اللغة نسبة إلى الربع ، والحراش جمع الحرش ، وهو الأثر .

الخامس : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي المكي المدني ، أمير المؤمنين ، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وختنه على بنته فاطمة الزهراء ، واسم أبي طالب عبد مناف على المشهور ، وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا ، أسلمت ، وهاجرت إلى المدينة ، وتوفيت في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصلى عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ونزل في قبرها ، وكنية علي أبو الحسن ، وكناه رسول الله عليه الصلاة والسلام أبا تراب ، وهو أخو رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمؤاخاة ، وقال له : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وهو أبو السبطين ، وأول هاشمي ولد بين هاشميين ، وأول خليفة من بني هاشم ، وأحد العشرة المبشرة بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عنهم راض ، وأحد الخلفاء الراشدين ، وأحد العلماء الربانيين ، وأحد الشجعان المشهورين والزهاد المذكورين ، وأحد السابقين إلى الإسلام ، شهد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام المشاهد كلها إلا تبوك ; استخلفه فيها على المدينة ، وأصابته يوم أحد ست عشرة ضربة ، وأعطاه الراية يوم خيبر ، وأخبر أن الفتح يكون على يديه ، ومناقبه جمة ، وأحواله في الشجاعة مشهورة ، وأما علمه فكان من العلوم بالمحل الأعلى ، روي له عن رسول الله عليه الصلاة والسلام خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا ، اتفقا منها على عشرين ، وانفرد البخاري بتسعة ، ومسلم بخمسة عشر ، ولي الخلافة خمس سنين ، وقيل : إلا شهرا ، بويع له بعد عثمان رضي الله عنه لكونه أفضل [ ص: 148 ] الصحابة حينئذ ، ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي من حمير بسيف مسموم ، فأوصله دماغه في ليلة الجمعة ، ومات بالكوفة ليلة الأحد تاسع عشر رمضان سنة أربعين ، عن ثلاث وستين سنة ، وكان آدم اللون ، أصلع ، ربعة ، أبيض الرأس واللحية ، وربما خضب لحيته ، وكانت له لحية كثة طويلة ، حسن الوجه ، كأنه القمر ليلة البدر ، ضحوك السن . وقبره بالكوفة ، ولكنه غيب خوفا من الخوارج ، وليس في الصحابة من اسمه علي بن أبي طالب غيره ، وفي الرواة علي بن أبي طالب ثمانية سواه .

بيان لطائف إسناده : منها : أن في إسناده التحديث والإخبار بصيغة الجمع وصيغة الإفراد والسماع ، ومنها : أن رواته أئمة أجلاء ، ومنها : أنهم ما بين بغدادي وواسطي وكوفي ومدني ، ومنها : أن فيه رواية تابعي صغير عن تابعي كبير .

بيان من أخرجه غيره : أخرجه مسلم أيضا في مقدمة كتابه عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن مثنى وابن بشار ، ثلاثتهم عن غندر ، عن شعبة به . وأخرجه الترمذي في العلم ، عن إسماعيل بن موسى الفزاري ، عن شريك بن عبد الله ، عن منصور بن المعتمر عنه به ، وقال : حسن صحيح ، وفي المناقب ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن شريك نحوه . وأخرجه النسائي في العلم ، عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد بن الحارث ، وعن بندار ، عن يحيى ، كلاهما عن شعبة به . وأخرجه ابن ماجه في السنة عن عبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى ، كلاهما عن شريك به .

بيان اللغات والإعراب والمعاني : قوله : " لا تكذبوا علي " نهي بصيغة الجمع ، وهو عام في كل كذب ، مطلق في كل نوع منه ، فإن قلت : هل فرق بين كذب عليه وكذب له ، أم الحكم فيهما سواء ؟ قلت : معنى كذب عليه نسبة الكلام إليه كاذبا ، سواء كان عليه أو له ، والكذب على الله داخل تحت الكذب على الرسول عليه السلام ; إذ المراد من الكذب عليه الكذب في أحكام الدين ، فإن قلت : الكذب من حيث هو معصية ، فكل كاذب عاص ، وكل عاص يلج النار لقوله تعالى : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها فما فائدة لفظة " علي " فإن الحكم عام في كل من كذب على أحد ؟ قلت : لا شك أن الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام أشد من الكذب على غيره لكونه مقتضيا شرعا عاما باقيا إلى يوم القيامة ; فخص بالذكر لذلك ، أو الكذب عليه كبيرة وعلى غيره صغيرة ، والصغائر مكفرة عند الاجتناب عن الكبائر ، أو المراد من قوله تعالى : ومن يعص الله الكبيرة ، فإن قلت : الشرط سبب للجزاء ، فكيف يتصور سببية الكذب للأمر بالولوج ؟ نعم ، إنه سبب للولوج نفسه . قلت : هو سبب للازمه ; لأن لازم الأمر الإلزام وكون الكذب سببا لإلزام الولوج معنى صحيح ، قوله : " فإنه من كذب علي " جواب النهي ; فلذلك دخلته الفاء والضمير في فإنه للشأن ، وهو اسم إن ، وقوله : " من كذب علي " في محل الرفع على أنه خبر إن ، وكلمة من موصولة تتضمن معنى الشرط ، وقوله : " فليلج النار " جواب الشرط ; فلذلك دخلته الفاء أي فليدخل النار من ولج يلج ولوجا ولجة إذا دخل ، وقال سيبويه : إنما جاء مصدره ولوجا ، وهو من مصادر غير المتعدي على معنى ولجت فيه ، وأصل فليلج فليولج ، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ، وبابه من باب ضرب يضرب ، وكذلك لجة ، وأصلها ولجة ، مثل عدة أصلها وعد ، فلما حذفت الواو منها تبعا لفعلها عوضت عنها الهاء ، قوله : " النار " منصوب بتقدير في ; لأن أصله لازم كما ذكرنا ، وهو من قبيل قولك : دخلت الدار ، والتقدير : دخلت في الدار ; لأن دخل فعل لازم ، واللازم لا ينصب إلا بالصلة ، وقال النووي : معنى الحديث أن هذا جزاؤه ، وقد يجازى به ، وقد يعفو الله عنه ، ولا يقطع عليه بدخول النار ، وهكذا سبيل كل ما جاء من الوعيد بالنار لأصحاب الكبائر غير الكفر ، ثم إن جوزي وأدخل النار فلا يخلد فيها ، بل لا بد من خروجه منها بفضل الله تعالى ورحمته .

بيان استنباط الأحكام

وهو على وجوه :

الأول : فيه دليل على تعظيم حرمة الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام ، وأنه كبيرة ، والمشهور أن فاعله لا يكفر إلا أن يستحله ، وحكى إمام الحرمين عن أبيه أبي محمد الجويني من أصحاب الشافعي أنه كان يقول : من كذب على النبي عليه الصلاة والسلام متعمدا كفر وأريق دمه ، وضعفه إمام الحرمين ، وجعله من هفوات والده ، وقال النووي : لو كذب في حديث واحد عمدا فسق وردت رواياته كلها ، وقال ابن الصلاح : ولا يقبل منه رواية أبدا ، ولا تقبل توبته منه ، بل يتحتم جرحه دائما على ما ذكره جماعة من العلماء ، منهم أحمد بن حنبل ، وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي ، وأبو بكر الصيرفي من الفقهاء الشافعية ، حتى قال الصيرفي : كل من أسقطنا خبره بين أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم [ ص: 149 ] نعد لقبوله بتوبة تظهر ، ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك ، قال : وذلك فيما افترقت فيه الشهادة والرواية ، قال النووي : هذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة مخالف للقواعد ، والمختار القطع بصحة توبته من ذلك وقبول روايته بعد صحة التوبة بشروطها ، وقد أجمعوا على قبول رواية من كان كافرا ثم أسلم ، وأكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة ، وأجمعوا على قبول شهادته ، ولا فرق بين الرواية والشهادة . قلت : قد قيل عن مالك في شاهد الزور إذا ثبتت عليه شهادة الزور : لا تسمع له شهادة بعدها ; تاب أم لا ، وقد قال أبو حنيفة والشافعي فيمن ردت شهادته بالفسق ثم تاب وحسنت حالته : لا تقبل منه إعادتها لما يلحقه من التهمة في تصديق نفسه ، وقال أبو حنيفة : إذا ردت شهادة أحد الزوجين للآخر ثم تاب لا تسمع للتهمة ، فلا يبعد أن يجيء مثله ها هنا ; لأن الرواية كلها كنوع من الشهادة .

الثاني : لا فرق في تحريم الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام بين ما كان في الأحكام وغيره كالترغيب والترهيب ، فكله حرام من أكبر الكبائر بإجماع المسلمين المعتد بهم ، خلافا للكرامية في زعمهم الباطل أنه يجوز الوضع في الترغيب والترهيب ، وتابعهم كثير من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد ، ومنهم من زعم أنه جاء في رواية : " من كذب علي متعمدا ليضل به " وتمسكوا بهذه الزيادة أنه كذب له لا عليه ، وهذا فاسد ومخالف لإجماع أهل الحل والعقد ، وجهل بلسان العرب وخطاب الشرع ، فإن كل ذلك كذب عندهم ، وأما تعلقهم بهذه الزيادة فقد أجيب عنها بأجوبة : أحدها : أن هذه الزيادة باطلة ، اتفق الحفاظ على بطلانها .

والثاني : قال الإمام الطحاوي : ولو صحت لكانت للتأكيد كقوله تعالى : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم

والثالث : أن اللام في ليضل ليست للتعليل ، بل لام الصيرورة والعاقبة ، والمعنى على هذا يصير كذبه إلى الضلال به .

الثالث : من روى حديثا وعلم أو ظن أنه موضوع فهو داخل في هذا الوعيد إذا لم يبين حال رواته وضعفهم ، ويدل عليه أيضا قوله عليه الصلاة والسلام : " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " .

قال النووي : الرواية المشهورة ضم الياء في يرى ، و" الكاذبين " بكسر الياء على الجمع .

الرابع : إذا روى حديثا ضعيفا لا يذكره بصيغة الجزم نحو قال أو فعل أو أمر ونحو ذلك ، بل يقول : روي عنه كذا ، وجاء عنه كذا ، أو يذكر ، أو يروى ، أو يحكى ، أو يقال ، أو بلغنا ، ونحو ذلك ، فإن كان صحيحا أو حسنا قال فيه : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام كذا ، أو فعله ، ونحو ذلك من صيغ الجزم ، وقال القرطبي : استجاز بعض فقهاء العراق نسبة الحكم الذي يدل عليه القياس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام نسبة قولية وحكاية فعلية ، فيقول في ذلك : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام كذا وكذا ، قال : ولذلك ترى كتبهم مشحونة بأحاديث موضوعة تشهد متونها بأنها موضوعة ; لأنها تشبه فتاوى الفقهاء ، ولا يليق بجزالة كلام سيد المرسلين ، فهؤلاء شملهم النهي والوعيد .

الخامس : مما يظن دخوله في النهي اللحن وشبهه ، ولهذا قال العلماء رضي الله عنهم : ينبغي للراوي أن يعرف من النحو واللغة والأسماء ما يسلم من قول من لم يقل ، قال الأصمعي : أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في قوله عليه الصلاة والسلام " من كذب علي " الحديث ; لأنه عليه السلام لم يكن يلحن ، فمهما لحن الراوي فقد كذب عليه ، وكان الأوزاعي يعطي كتبه إذا كان فيها لحن لمن يصلحها ، فإذا صح في روايته كلمة غير مفيدة ، فله أن يسأل عنها أهل العلم ، ويرويها على ما يجوز فيه ، روي ذلك عن أحمد وغيره ، قال أحمد : يجتنب إعراب اللحن ; لأنهم كانوا لا يلحنون ، وقال النسائي فيما حكاه القابسي : إذا كان اللحن شيئا تقوله العرب ، وإن كان في لغة قريش فلا يغير ; لأنه عليه السلام كان يكلم الناس بلسانهم ، وإن كان لا يوجد في كلامهم فالشارع لا يلحن ، وقال الأوزاعي : كانوا يعربون ، وإنما اللحن من حملة الحديث ، فأعربوا الحديث ، وقيل للشعبي : أسمع الحديث ليس بإعراب ، أفأعربه ؟ قال : نعم . فإن قلت : لو صح في رواية ما هو خطأ ، ما حكمه ؟ قلت : الجمهور على روايته على الصواب ، ولا يغيره في الكتاب ، بل يكتب في الحاشية : كذا وقع ، وصوابه كذا ، وهو الصواب ، وقيل : يغيره ويصلحه ، روي ذلك عن الأوزاعي وابن المبارك وغيرهما ، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : كان أبي إذا مر به لحن فاحش غيره ، وإن كان سهلا تركه ، وعن أبي زرعة أنه كان يقول : أنا أصلح كتابي من أصحاب الحديث إلى اليوم .

السادس مما يتعلق بهذا الباب : بيان أصناف الواضعين :

الأول : قوم زنادقة ، كالمغيرة بن سعيد الكوفي ومحمد بن سعيد المصلوب ، أرادوا إيقاع الشك في قلوب الناس ، فرووا : " أنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله " .

الثاني : قوم متعصبون ، منهم من تعصب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فوضعوا فيه أحاديث ، [ ص: 150 ] وقوم تعصبوا لمعاوية ورووا له أشياء ، وقوم تعصبوا لأبي حنيفة رضي الله عنه ، وقال ابن حبان : وضع الحسن بن علي بن زكريا العدوي الرازي حديث: النظر إلى وجه علي عبادة ، وحدث عن الثقات لعله بما يزيد على ألف حديث سوى المقلوبات ، وقال الخطيب في الكفاية بسنده إلى المهدي : قال : أقر عندي رجل من الزنادقة أنه وضع أربعمائة حديث ، فهي تجول بين الناس .

وقوم وضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب ، وعن ابن الصلاح قال : رويت عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم أنه قيل له : من أين لك عن عكرمة ، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومعاذ بن أبي إسحاق ، فوضعت هذا الحديث ، وقال يحيى : نوح هذا ليس بشيء ، لا يكتب حديثه ، وقال مسلم وأبو حاتم والدارقطني : متروك .

السابع : يعرف الموضوع بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره أو قرينة في حال الراوي أو المروي أو ركاكة لفظه أو لروايته عمن لم يدركه ، ولا يخفى ذلك على أهل هذا الشأن ، وقيل لعبد الله بن المبارك : هذه الأحاديث الموضوعة ؟ قال : يعيش لها الجهابذة .

وأما جهات الوضع : فربما يكون من كلام نفسه ، أو يأخذ كلاما من مقالات بعض الحكماء ، أو كلام بعض الصحابة فيرفعه كما روي عن أحمد بن إسماعيل السهمي ، عن مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج إلا الإمام " . وهو في الموطأ عن وهب ، عن جابر من قوله ، وربما أخذوا كلاما للتابعين ، فزادوا فيه رجلا ، فرفعوه .

وقوم من المجروحين عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن النبي عليه الصلاة والسلام بأسانيد معلومة معروفة ، وضعوا لها غير تلك الأسانيد .

وقوم عندهم غفلة إذا لقنوا تلقنوا .

وقوم ضاعت كتبهم ، فحدثوا من حفظهم على التخمين .

وقوم سمعوا مصنفات ، وليست عندهم ، فحملهم الشره إلى أن حدثوا عن كتب مشتراة ليس فيها سماع ، ولا مقابلة .

وقوم كثيرة ليسوا من أهل هذا الشأن ; سئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار ومحمد بن واسع وحسان بن أبي سنان ، قال : ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث ; لأنهم يكتبون عن كل من يلقون ، لا تمييز لهم ، وروى الخطيب بسنده عن ربيعة الراعي قال : من إخواننا من نرجو بركة دعائه ، ولو شهد عندنا بشهادة ما قبلناها ، وعن مالك : أدركت سبعين عند هذه الأساطين - وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقولون : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فما أخذت عنهم شيئا ، وإن أحدهم يؤمن على بيت المال ; لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ، ونزدحم على باب محمد بن مسلم الزهري .

التالي السابق


الخدمات العلمية