صفحة جزء
1278 99 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثنا الليث قال : حدثني ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين [ ص: 153 ] من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : " أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ، ولم يصل عليهم .
مطابقته للترجمة من حيث إن بعمومها يدل على نفي الصلاة على الشهيد .

( ذكر رجاله ) وهم خمسة :

الأول : عبد الله بن يوسف التنيسي وقد تكرر ذكره ، الثاني : الليث بن سعد ، الثالث : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، الرابع : عبد الرحمن بن كعب بن مالك أبو الخطاب الأنصاري السلمي ، الخامس : جابر بن عبد الله الأنصاري .

( ذكر لطائف إسناده )

فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه دمشقي نزل تنيس ، والليث مصري ، وابن شهاب وشيخه مدنيان ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، وفيه عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر ، كذا يقول الليث عن ابن شهاب ، وقال النسائي : ما أعلم أحدا تابع الليث من ثقات أصحاب الزهري على هذا الإسناد ، واختلف على الزهري فيه ، ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن ثعلبة ، فذكر الحديث مختصرا . وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق ، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحارث ، وكلهم عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة ، ورواه عبد الرزاق عن معمر فزاد فيه جابرا ، وهو مما يقوي اختيار البخاري ; فإن ابن شهاب صاحب حديث فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين خصوصا أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة . قال الذهبي : عبد الله بن ثعلبة له رؤية ورواية ، ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الأنصاري : حدثنا الزهري ، ( حدثنا عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال يوم أحد : " من رأى مقتل حمزة ؟ " فقال رجل : أنا ، فخرج حتى وقف على حمزة ، فرآه وقد شق بطنه ومثل به ، فكره رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أن ينظر إليه ، ثم وقف بين ظهري القتلى فقال : " أنا شهيد على هؤلاء ، لفوهم في دمائهم فإنه ليس جريح يجرح إلا جاء يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك " وقال : " قدموا أكثر القوم قرآنا فاجعلوه في اللحد " .

قال البيهقي : في هذا زيادات ليست في رواية الليث ، وفي رواية الليث زيادة ليست في هذه الرواية ، فيحتمل أن تكون روايته عن جابر وعن أبيه صحيحتان وإن كانتا مختلفتين ، فالليث بن سعد إمام حافظ فروايته أولى .

ولما ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في كتاب العلل قال : قال أبي يروي هذا عن الزهري ، عن ابن كعب ، عن الزهري مرفوعا ، وعبد الرحمن بن عبد العزيز هذا شيخ مدني مضطرب الحديث .

وروى الحاكم من حديث أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه أن أنسا حدثه أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم ، وهو صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

وفي العلل للترمذي قال محمد : حديث أسامة ، عن الزهري ، عن أنس غير محفوظ غلط فيه أسامة .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره )

أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن سعيد بن سليمان وأبي الوليد ، وفي المغازي عن قتيبة ، وفي الجنائز أيضا عن عبدان ومحمد بن مقاتل ، وأخرجه أبو داود في الجنائز عن قتيبة ويزيد بن خالد وعن سليمان بن داود ، وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وقال : حسن صحيح ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح عن الليث به .

( ذكر معناه )

قوله : ( من قتلى أحد ) القتلى جمع قتيل كالجرحى جمع جريح ، قوله : ( في ثوب واحد ) ظاهره تكفين الاثنين في ثوب واحد ، وقال المظهري في ( شرح المصابيح ) : معنى ثوب واحد قبر واحد ; إذ لا يجوز تجريدهما بحيث تتلاقى بشرتاهما . قوله : ( أيهم ) أي : أي القتلى ؟ هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : أيهما أي : أي الرجلين ؟ قوله : ( أخذا ) على التمييز ، قوله : ( أنا شهيد على هؤلاء ) أي : أشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى ، قوله : ( ولم يغسلوا ) على صيغة المجهول [ ص: 154 ] وفي رواية للبخاري ستأتي بلفظ ( ولم يصل عليهم ولم يغسلهم ) كلاهما بصيغة المعلوم أي : لم يفعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ولا بأمره .

( ذكر ما يستفاد منه )

وهو على وجوه :

الأول : قال ابن التين : فيه جواز جمع الرجلين في ثوب واحد . وقال أشهب : لا يفعل ذلك إلا لضرورة وكذا الدفن ، وعن العلامة ابن تيمية معنى الحديث : أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة وإن لم يستر إلا بعض بدنه ، يدل عليه تمام الحديث : أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه في اللحد ، فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كيلا يؤدي إلى نقض التكفين وإعادته . وقال ابن العربي : فيه دليل على أن التكليف قد ارتفع بالموت وإلا فلا يجوز أن يلصق الرجل بالرجل إلا عند انقطاع التكليف أو للضرورة .

الثاني : فيه التفضيل بقراءة القرآن ، فإذا استووا في القراءة قدم أكبرهم لأن للسن فضيلة

الثالث : فيه جواز دفن الاثنين والثلاثة في قبر ، وبه أخذ غير واحد من أهل العلم ، وكرهه الحسن البصري ، ولا بأس أن يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق ، غير أن الشافعي وأحمد قالا ذلك في موضع الضرورات ، وحجتهم حديث جابر . وقال أشهب : إذا دفن اثنان في قبر لم يجعل بينهما حاجز من التراب ، وذلك لأنه لا معنى له إلا التضييق . وقال ابن أبي حاتم : ذكر أبي حديثا رواه ابن وهب ، عن ابن جريج ، عن قتادة ( عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع يوم أحد النفر في القبر الواحد ، فكان يقدم في القبر إلى القبلة أقرأهم ثم ذا السن يلي أقرأهم ) قال أبي : يحيى هذا هو ابن صبيح .

وفي سنن الكجي : حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الدهماء ، ( عن ابن عباس قال : شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - القرح يوم أحد فقال : " احفروا واجعلوا في القبر الاثنين والثلاثة وقدموا أكثرهم قرآنا " ) وقال القدوري في شرحه ، والسرخسي في المبسوط : إن وقعت الحاجة إلى الزيادة فلا بأس أن يدفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد . وفي المرغيناني : أو خمسة وهو إجماع . وفي البدائع : ويقدم أفضلها ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب فيكون في حكم قبرين ، ويقدم الرجل في اللحد ، وفي صلاة الجنازة تقدم المرأة على الرجل إلى القبلة ، ويكون الرجل إلى الرجل أقرب والمرأة عنه أبعد .

الرابع : فيه دفن الشهيد بدمه ، وروى النسائي من حديث معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " زملوهم بدمائهم " .

الخامس : فيه أن الشهيد لا يغسل ، وهذا لا خلاف فيه إلا ما روي عن سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن من أنه يغسل قالا : ما مات ميت إلا أجنب ، رواه ابن أبي شيبة عنهما بسند صحيح ، وعن الحسن بسند صحيح " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بحمزة رضي الله تعالى عنه فغسل "

وحكي عن الشعبي وغيره أن حنظلة بن الراهب غسلته الملائكة ، وأجيب بأنه كان جنبا . وقال السهيلي : في ترك غسل الشهداء تحقيق حياتهم وتصديق قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية ، ولأن الدم أثر عبادة فلا يزال كما قالوا في السواك للصائم

السادس : فيه أن الشهيد لا يصلى عليه ، وهذا باب فيه خلاف ، وقد ذكرناه في أول الباب . وقال أصحابنا : الشهيد يصلى عليه بلا غسل ، واحتجوا في ذلك بحديث عقبة الآتي عن قريب ، وبما رواه ابن ماجه من حديث أبي بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، " عن ابن عباس قال : أتي بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فجعل يصلي على عشرة عشرة وحمزة ، وهو كما هو يرفعون وهو كما هو موضوع "

ورواه الطحاوي ، عن إبراهيم بن أبي داود ، عن محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم " عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يوضع بين يديه يوم أحد عشرة فيصلي عليهم وعلى حمزة ، ثم توضع العشرة وحمزة موضوع ، ثم توضع عشرة فيصلي عليهم وعلى حمزة معهم "

وأخرجه البزار في ( مسنده ) بأتم منه : حدثنا العباس رحمه الله تعالى ابن عبد الله البغدادي ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم " عن ابن عباس قال : لما قتل حمزة يوم أحد أقبلت صفية تسأل ما صنع ، فلقيت عليا والزبير رضي الله تعالى عنهما فقالت : يا علي ويا زبير ما فعل حمزة ؟ فأوهماها أنهما لا يدريان قال : فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : إني أخاف على عقلها فوضع يده على صدرها فاسترجعت وبكت ، ثم [ ص: 155 ] قام عليه ، وقال : لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطيور ، ثم أتي بالقتلى فجعل يصلي عليهم ، فيوضع سبعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ، ثم يرفعون ويترك حمزة مكانه فيكبر عليهم سبع تكبيرات حتى فرغ منهم "

وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) ، والطبراني في معجمه ، والبيهقي في سننه ولفظهم : " أمر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بحمزة يوم أحد فهيئ للقبلة ، ثم كبر عليه سبعا ، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة " ، زاد الطبراني : " ثم وقف عليهم حتى واراهم " وسكت الحاكم عنه .

( فإن قلت ) : قال الذهبي : يزيد بن أبي زياد لا يحتج به ، وقال البيهقي : هكذا رواه يزيد بن أبي زياد ، وحديث جابر أنه لم يصل عليهم أصح ، وقال ابن الجوزي في التحقيق : ويزيد بن زياد منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث .

( قلت ) : قال صاحب التنقيح : الذي قالوه إنما هو في يزيد بن زياد ، وأما راوي هذا الحديث فهو الكوفي ، ولا يقال فيه ابن زياد وإنما هو ابن أبي زياد ، وهو ممن يكتب حديثه على لينه ، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره ، وروى له أصحاب السنن ، وقال أبو داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وابن الجوزي جعلهما في كتابه الذي في الضعفاء واحدا وهو وهم وغلط ، ومما يؤيد حديث يزيد بن أبي زياد هذا ما رواه ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق ، حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس ، " عن ابن عباس قال : أمر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم ، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة " .

( فإن قلت ) : قال السهيلي في الروض الأنف : قول ابن إسحاق في هذا الحديث : حدثني من لا أتهم ، إن كان هو الحسن بن عمارة كما قاله بعضهم فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث ، وإن كان غيره فهو مجهول .

( قلت ) : نحن ما نجزم أنه الحسن بن عمارة ، ولئن سلمنا أنه هو فنحن ما نحتج به ، وإنما نستشهد به ، ويكفي في الاستشهاد قول ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم به ، ولو كان متهما عنده لما حدث عنه .

وروى الطحاوي من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى يصفون ويصلي عليهم وعليه معهم " .

وأخرجه ابن شاهين أيضا في كتابه من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عبادة ، " عن عبد الله بن الزبير قال : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمزة فكبر سبعا " .

وقال البغوي : حفظي أنه قال عن عبد الله بن الزبير ، وروى الطحاوي أيضا من حديث أبي مالك الغفاري قال : كان قتلى أحد يؤتى بتسعة وعاشرهم حمزة ، فيصلي عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يحملون ، ثم يؤتى بتسعة فيصلي عليهم وحمزة مكانه ، حتى صلى عليهم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ، ورواه أيضا الدارقطني " عن أبي مالك قال : كان يجاء بقتلى أحد تسعة وحمزة عاشرهم ، فيصلى عليهم فيرفعون التسعة ويدعون حمزة رضي الله تعالى عنه " ، وأخرجه البيهقي أيضا ولفظه : قال : " صلى النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - على قتلى أحد عشرة عشرة ، في كل عشرة منهم حمزة ، حتى صلى عليه سبعين صلاة " ، وقال الذهبي في مختصر السنن : كذا قال ، ولعله سبع صلوات إذ شهداء أحد سبعون أو نحوها ، وأخرجه أبو داود أيضا في المراسيل ، وأبو مالك اسمه غزوان الكوفي وثقه ابن معين ، وذكره ابن حبان في التابعين الثقات .

ولنا معاشر الحنفية أن نرجح مذهبنا بأمور : الأول : أن حديث عقبة الآتي ذكره مثبت وكذا غيره من الصلاة على الشهيد ، وحديث جابر ناف والمثبت أولى .

الثاني : أن جابرا كان مشغولا بقتل أبيه وعمه على ما يجيء ، فذهب إلى المدينة ليدبر حملهم ، فلما سمع المنادي بأن القتلى تدفن في مصارعهم سارع لدفنهم ، فدل على أنه لم يكن حاضرا حين الصلاة ، على أن في ( الإكليل ) حديثا عن ابن عقيل ، " عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على حمزة ثم جيء بالشهداء فوضعوا إلى جنبه فصلى عليهم " ، فالشافعية يحتجون برواية ابن عقيل ويوجبون بها التسليم من الصلاة .

الثالث : ما روى أصحابنا أكثر مما رواه أصحاب الشافعي .

الرابع : الصلاة على الموتى أصل في الدين وفرض كفاية فلا تسقط من غير فعل أحد بالتعارض بخلاف غسله إذ النص في سقوطه لا معارض له .

الخامس : لو كانت الصلاة عليهم غير مشروعة لبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نبه على الغسل .

السادس : نتنزل ونقول كما قاله الطحاوي لم يصل صلى الله عليه وسلم وصلى غيره .

السابع : يجوز أنه لم يصل عليهم في ذلك اليوم لما حصل له من الجراحة وشبهها ، ولا سيما من ألمه على حمزة وغيره ، وصلى عليهم في يوم غيره لأنه لا تغير بهم كما جاء في صلاته عليهم بعد ثمان سنين .

الثامن : قد روي أنه قد صلى على غيرهم .

التاسع : ليس لهم أن يقولوا يحمل قول عقبة صلى عليهم بمعنى استغفر لقوله صلاته [ ص: 156 ] على الميت .

العاشر : أن ما ذهب إليه أصحابنا أحوط في الدين ، وفيه تحصيل الأجر ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " من صلى على ميت فله قيراط " ، فلم يفصل ميتا من ميت ، فإن قالوا : الصلاة لا تصح على الميت بلا غسل ، فلما لم يغسل الشهيد لم تصح الصلاة . قلنا : ينبغي أن لا يدفن أيضا بلا غسل ، فلما دفن الشهيد بلا غسل دل أنه في حكم المغسولين فيصلى عليه .

فإن قالوا : الشهداء أحياء والصلاة إنما شرعت على الموتى . قلنا : فعلى هذا ينبغي أن لا يقسم ميراثهم ولا تتزوج نساؤهم وشبه ذلك ، وإنما هم أحياء في حكم الآخرة لا في حكم الدنيا ، والصلاة عليهم من أحكام الدنيا ، كذا قاله في المبسوط .

فإن قالوا : ترك الصلاة عليهم لاستغنائهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين . قلنا : لا يستغنى أحد عن الخير والصلاة خير موضوع ، ولو استغنى عنه أحد من هذه الأمة لاستغنى أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، وكذلك الصغار ومن هو في مثل حالهم ، والتعليل بالتخفيف لا وجه له لأنهم يسعون في تجهيزهم وحفر قبورهم ونحو ذلك ، فالصلاة أخف من هذا كله .

فإن قالوا : إنكم لا ترون الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام . قلنا : ليس كذلك بل تجوز الصلاة على القبر ما لم يتفسخ ، والشهداء لا يتفسخون ولا يحصل لهم تغير ، فالصلاة عليهم لا تمتنع أي وقت كان .

التالي السابق


الخدمات العلمية