صفحة جزء
1283 ( ولو كان مستقيما كان ضريحا )
أي : ولو كان القبر أو الشق مستقيما غير مائل إلى ناحية لكان ضريحا ، لأن الضريح شق في الأرض على الاستواء ، وقال ابن الأثير : الضارح هو الذي يعمل الضريح وهو القبر ، وهو فعيل بمعنى مفعول من الضرح وهو الشق في الأرض ، ثم الجمهور على كراهة الدفن في الشق وهو قول إبراهيم النخعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، ولو شقوا لمسلم يكون تركا للسنة ، اللهم إلا إذا كانت الأرض رخوة لا تحتمل اللحد ، فإن الشق حينئذ متعين ، وقال فخر الإسلام في ( الجامع الصغير ) : وإن تعذر اللحد [ ص: 159 ] فلا بأس بتابوت يتخذ للميت ، لكن السنة أن يفرش فيه التراب . وقال صاحب المبسوط والمحيط والبدائع وغيرهم عن الشافعي : أن الشق أفضل عنده ، وهكذا نقله القرافي في الذخيرة عنه . وقال النووي في ( شرح المهذب ) : أجمع العلماء على أن اللحد والشق جائزان ، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل ، وإن كانت رخوة ينهار فالشق أفضل .

( قلت ) : فيه نظر من وجهين :

الأول : أن الأرض إذا كانت رخوة يتعين الشق فلا يقال أفضل .

والثاني : أنه يصادم الحديث الذي رواه الأئمة الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللحد لنا والشق لغيرنا " ومعنى " اللحد لنا " أي لأجل أموات المسلمين ، والشق لأجل أموات الكفار .

وقال شيخنا زين الدين : المراد بقوله " لغيرنا " أهل الكتاب كما ورد مصرحا به في بعض طرق حديث جرير في مسند الإمام أحمد ، " والشق لأهل الكتاب " فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل اللحد للمسلمين والشق لأهل الكتاب فكيف يكونان سواء ؟! على أنه روي عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللحد أحاديث ، منها :

حديث عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما رواهما ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع ، عن العمري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعن العمري ، عن نافع ، " عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى أن يلحد له "

وروى ابن ماجه " عن عائشة قالت : لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لا تصخبوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيا ولا ميتا - أو كلمة نحوها - فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا ، فجاء اللاحد يلحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دفن "

وفي طبقات ابن سعد من رواية حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، " عن عائشة قالت : كان بالمدينة حفاران " وفي رواية : " قباران أحدهما يلحد والآخر يشق " الحديث .

ومنها حديث سعد رواه مسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه : ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما فعل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -

ومنها حديث أنس رواه ابن ماجه عنه قال : " لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح ، فقالوا : نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه ، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "

ومنها حديث المغيرة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه قال : حدثنا أبو أسامة ، عن المجالد ، عن عامر قال : قال المغيرة بن شعبة : لحد بالنبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -

ومنها حديث بريدة رواه البيهقي ، " عن ابن بردة ، عن أبيه قال : أدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل القبلة ، وألحد له لحد ، ونصب عليه اللبن نصبا " وفي سنده أبو بردة عن علقمة ، قال البيهقي : وأبو بردة هذا هو عمرو بن بريد التميمي الكوفي وهو ضعيف .

( قلت ) : لكون هذا الحديث حجة عليه بادر إلى تضعيفه . ومنها حديث أبي طلحة رواه ابن سعد في الطبقات قال : " اختلفوا في الشق واللحد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال المهاجرون : شقوا كما يحفر أهل مكة ، وقالت الأنصار : ألحدوا كما يحفر بأرضنا ، فلما اختلفوا في ذلك قالوا : اللهم خر لنبيك ابعثوا إلى أبي عبيدة وإلى أبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله ، قال : فجاء أبو طلحة فقال : والله إني لأرجو أن يكون الله قد خار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إنه كان يرى اللحد فيعجبه "

ثم الحكمة في اختياره صلى الله عليه وسلم اللحد على الشق لكونه أستر للميت ، واختيار الشق للأنصار فإنه صلى الله عليه وسلم قال لهم : " المحيا محياكم والممات مماتكم " فأراد إعلامهم بأنه إنما يموت عندهم ولا يريد الرجوع إلى بلده مكة ، فوافقهم أيضا في صفة الدفن ، واختار الله له ذلك ، وفيه حديث رواه السلفي عن أبي بن كعب يرفعه : " اللحد لآدم وغسل بالماء وترا ، وقالت الملائكة : هذه سنة ولده من بعده "

التالي السابق


الخدمات العلمية