صفحة جزء
1298 [ ص: 190 ] 118 - حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا خالد ، عن أبي قلابة ، عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ، ومن قتل نفسه بحديدة عذب به في نار جهنم " .
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة ما ذكرناه .

( ذكر رجاله )

وهم خمسة تقدموا ، وخالد هو الحذاء ، وأبو قلابة عبد الله بن زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الأشهلي من أصحاب بيعة الرضوان ، وهو صغير مات سنة خمس وأربعين . وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره )

أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن موسى بن إسماعيل ، وفي النذور عن معلى بن أسد ، وفي الأدب أيضا عن محمد بن بشار ، وأخرجه مسلم في الأيمان عن يحيى بن يحيى ، وعن أبي غسان ، وعن إسحاق بن إبراهيم ، وإسحاق بن منصور ، وعبد الوارث بن عبد الصمد ، وعن محمد بن رافع ، وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن أبي توبة ، وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع ، وأخرجه النسائي عن إسحاق بن منصور ، وعن محمود بن خالد ، وعن قتيبة ، وعن محمد بن عبد الله ، وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن محمد بن المثنى .

( ذكر معناه )

قوله : ( بملة ) الملة الدين كملة الإسلام واليهودية والنصرانية ، وقيل هي معظم الدين وجملة ما يجيء به الرسل ، صورته أن يحلف بدين النصارى أو بدين اليهود أو بدين ملة من ملل الكفرة ، قوله : ( كاذبا ) حال من الضمير الذي في حلف أي حال كونه كاذبا في تعظيم تلك الملة التي حلف بها ، فيكون هذا الحال من الأحوال اللازمة كما في قوله تعالى : وهو الحق مصدقا لأن من عظم غير ملة الإسلام كان كاذبا في تعظيم ذلك دائما في كل حال وفي كل وقت ، ولا ينتقل عنه ، ولا يصلح أن يقال إنه يعني بكونه كاذبا في المحلوف عليه لأنه يستوي في حقه كونه صادقا أو كاذبا إذا حلف بملة غير الإسلام ; لأنه إنما ذمه الشرع من حيث إنه حلف بتلك الملة الباطلة معظما لها على نحو ما يعظم به ملة الإسلام الحق ، ولا فرق بين أن يكون صادقا أو كاذبا في المحلوف عليه ، قوله : ( متعمدا ) أيضا حال من الأحوال المتداخلة أو المترادفة ، قيد به لأنه إذا كان الحالف بذلك غير معتقد لذلك فهو آثم مرتكب كبيرة ، إذ قد تشبه في قوله بمن يعظم تلك الملة ويعتقدها ، فغلظ عليه الوعيد بأن صير كواحد منهم مبالغة في الردع والزجر ، كما قال تعالى : ومن يتولهم منكم فإنه منهم وقال القرطبي : قوله : ( متعمدا ) يحتمل أن يريد به النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان معتقدا لتعظيم تلك الملة المغايرة لملة الإسلام وحينئذ يكون كافرا حقيقة فيبقى اللفظ على ظاهره ، قوله : ( فهو كما قال ) قال ابن بطال : أي هو كاذب لا كافر ولا يخرج بهذه القصة من الإسلام إلى الدين الذي حلف به ، لأنه لم يقل ما يعتقده فوجب أن يكون كاذبا كما قال لا كافرا ، قال : فإن ظن ظان أن في هذا الحديث دليلا على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقا لاشتراطه في الحديث أن يحلف به كاذبا ، قيل له : ليس كما توهمت لورود نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بغير الله نهيا مطلقا ، فاستوى في ذلك الكاذب والصادق ، وقال الكرماني : قوله " فهو كما قال " أي فهو على ملة غير الإسلام لأن الحلف بالشيء تعظيم له ، ثم قال : الظاهر أنه تغليظ . ( قلت ) : حمله على هذا التفسير صرفه معنى قوله كاذبا إلى المحلوف عليه ، وقد ذكرنا أنه لا يصلح ذلك لاستواء كونه صادقا أو كاذبا إذا حلف بملة غير الإسلام ، وقال ابن الجوزي : إنما يحلف الحالف بما كان عظيما عنده ، ومن اعتقد تعظيم ملة من ملل الكفر فقد ضاهى الكفار ، انتهى . ( قلت ) : فقد كفر حقيقة والمضاهاة دون ذلك ، قوله : ( بحديدة ) أراد به آلة قاطعة مثل السيف والسكين ونحوهما ، والحديدة أخص من الحديد ، سمي به لأنه منيع لأن أصله من الحد وهو المنع والجمع حدائد ، وجاء في الشعر الحديدات ، قوله : ( عذب به ) ويروى " بها " أي بالحديدة ، وأما تذكير الضمير فباعتبار المذكور ، وإنما يعذب بها لأن الجزاء من جنس العمل .

( ذكر ما يستفاد منه )

احتج بالحديث المذكور أبو حنيفة وأصحابه على أن الحالف باليمين المذكور ينعقد يمينه وعليه الكفارة ، لأن الله تعالى أوجب على المظاهر الكفارة ، وهو منكر من القول وزور ، والحلف بهذه الأشياء منكر وزور ، وقال النووي : لا ينعقد بهذه الأشياء يمين وعليه أن يستغفر الله ويوحده [ ص: 191 ] ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا ، وقال : هذا مذهب الشافعي ومالك وجمهور العلماء ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف فقال باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " ولم يذكر في الحديث كفارة ، قلنا : لا يلزم من عدم ذكرها فيه نفي وجوب الكفارة ، وقال ابن بطال في قوله : " ومن قتل نفسه بحديدة " أجمع الفقهاء وأهل السنة على أنه من قتل نفسه أنه لا يخرج بذلك من الإسلام ، وأنه يصلى عليه وإثمه عليه ، كما قال مالك ، ولم يكره الصلاة عليه إلا عمر بن عبد العزيز والأوزاعي ، والصواب قول الجماعة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سن الصلاة على المسلمين ولم يستثن منهم أحدا فيصلى على جميعهم ، ( قلت ) : قال أبو يوسف : لا يصلى على قاتل نفسه لأنه ظالم لنفسه فيلحق بالباغي وقاطع الطريق ، وعند أبي حنيفة ومحمد يصلى عليه لأن دمه هدر كما لو مات حتفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية