صفحة جزء
836 1 - حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، قال : حدثنا أبو الزناد ، أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى ربيعة بن الحارث حدثه ، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد .


مطابقته للترجمة في قوله : " هذا يومهم الذي فرض الله عليهم " إلى آخره .

ذكر رجاله ، وهم خمسة ; الأول : أبو اليمان الحكم بن نافع . الثاني : شعيب ابن أبي حمزة . الثالث : أبو الزناد ، بكسر الزاي وبالنون ، عبد الله بن ذكوان . الرابع : الأعرج . الخامس : أبو هريرة .

( ذكر لطائف إسناده )

فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار كذلك في موضع ، والتحديث أيضا بصيغة الإفراد في موضع . وفيه السماع في موضعين . وفيه القول في ثلاثة مواضع . وفيه أن رواته ما بين حمصيين وهما أبو اليمان وشعيب ، ومدنيين وهما أبو الزناد والأعرج . وأخرجه مسلم عن عمرو الناقد وابن أبي عمر فرقهما ، وأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن .

ذكر معناه وإعرابه

قوله : “ نحن الآخرون السابقون " في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم : " نحن الآخرون ونحن السابقون " ، ومعناه : نحن الآخرون زمانا والسابقون ، يعني : الأولون منزلة . ويقال : معناه : نحن الآخرون لأجل إيتاء الكتاب لهم قبلنا ، ونحن السابقون لهداية الله تعالى لنا لذلك . ويقال : نحن الآخرون الذين جاءوا آخر الأمم والسابقون الناس يوم القيامة إلى الموقف والسابقون في دخول الجنة ، ويوضح ذلك ما رواه مسلم عن حذيفة قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا الله تعالى ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد ، كذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق " . وقيل : المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل ، وهو الجمعة . وقيل : المراد بالسبق السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب ، فقالوا ( سمعنا وعصينا ) .

قوله : “ بيد " بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ، وهو مثل غير وزنا ومعنى وإعرابا ، ويقال : ميد ، بالميم ، وهو اسم ملازم للإضافة إلى أن وصلتها وله معنيان أحدهما : غير ، إلا أنه لا يقع مرفوعا ولا مجرورا بل منصوبا ، ولا يقع صفة ولا استثناء متصلا ، وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصة ، وقال ابن هشام : ومنه الحديث " نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا " ، وفي مسند الشافعي : " بايد أنهم " ، وفي مجمع الغرائب : بعض المحدثين يرويه " بايد أنا أوتينا " ، أي : بقوة أنا أعطينا ، قال أبو عبيدة : وهو غلط ليس له معنى يعرف . وزعم الداودي أنها بمعنى على أو مع . قال القرطبي : إن كانت بمعنى غير فينصب على الاستثناء ، وإذا كانت بمعنى مع فينصب على الظرف . وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى " بيد " من أجل ، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي ، وقال عياض : هو بعيد . وقال بعضهم : ولا بعد فيه ، بل معناه : إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم ، انتهى .

قلت : استبعاد عياض موجه ، ونفي هذا القائل البعد بعيد لفساد المعنى ، لأن بيد إذا كان بمعنى من أجل يكون المعنى : نحن السابقون لأجل أنهم أتوا الكتاب ، وهذا ظاهر الفساد على ما لا يخفى ، ثم أكد هذا القائل كلامه بقوله : ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري في طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ " نحن الآخرون في الدنيا ونحن أول من يدخل الجنة ، لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا " . قلت : هذا لا يصلح أن يكون شاهدا لما ادعاه ، لأن قوله " لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا " تعليل لقوله " نحن الآخرون في الدنيا " .

قوله : “ أوتوا الكتاب " أي : أعطوه ، [ ص: 164 ] والمراد من الكتاب التوراة والإنجيل ، فتكون الألف واللام فيه للعهد ، وقال بعضهم : اللام للجنس . وهو غير صحيح . قوله : " ثم هذا " ، إشارة إلى يوم الجمعة . قوله : " الذي فرض الله عليهم " هو هكذا في رواية الحموي ، وفي رواية الأكثرين " الذي فرض عليهم " وقال ابن بطال : ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه ، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن ، وإنما يدل والله أعلم ، أنه فرض عليهم يوم الجمعة ووكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم ، فاختلفوا في أي الأيام هو ، ولم يهتدوا ليوم الجمعة . وجنح القاضي عياض إلى هذا ورشحه بقوله : لو كان فرض عليهم بعينه لقيل : فخالفوا ، بدل " فاختلفوا " . وقال النووي : يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر ، فاجتهدوا في ذلك فأخطؤوا . وقال بعضهم : ويشهد له ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله : إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه قال أرادوا الجمعة فأخطؤوا وأخذوا السبت مكانه . قلت : كيف يشهد له هذا وهم أخذوا السبت لأنه جعل عليهم ، وإن كان أخذهم بعد اختلافهم فيه فخطؤهم في إرادتهم الجمعة ، ومع هذا استقروا على السبت الذي جعل عليهم . وقيل : يحتمل أن يكون فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ، ويدل عليه ما رواه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بذلك ولفظه : " إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا : يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا ، فاجعله لنا ، فجعله عليهم " ولم يكن هذا ببعيد منهم ، لأنهم هم القائلون : سمعنا وعصينا

قوله : “ فهدانا الله له " يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الله قد نص لنا عليه ، والثاني أن تكون الهداية إليه بالاجتهاد ، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين ، وقد ذكرناه في كتاب الجمعة ، فإن فيه أن أهل المدينة قد جمعوا قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( فإن قلت ) : هذا مرسل . ( قلت ) : وله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث كعب بن مالك قال : " كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أسعد بن زرارة " .

قوله : “ تبع " بفتح التاء المثناة والباء الموحدة ، جمع تابع كالخدم جمع خادم . قوله : " اليهود غدا " فيه حذف تقديره : يعظم اليهود غدا ، أو اليهود يعظمون غدا ، فعلى الأول ارتفاع اليهود بالفاعلية وعلى الثاني بالابتداء ، ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ، فحينئذ انتصاب غدا على الظرفية ، وكذلك الكلام في قوله : " والنصارى بعد غد " والمراد من قوله : " غدا " السبت ومن قوله : " بعد غد " الأحد ، وإنما اختار اليهود السبت لأنهم زعموا أنه يوم قد فرغ الله منه عن خلق الخلق فقالوا : نحن نستريح فيه عن العمل ونشتغل فيه بالعبادة والشكر لله تعالى ، واختار النصارى يوم الأحد لأنهم قالوا : أول يوم بدأ الله فيه بخلق الخليقة ، فهو أولى بالتعظيم ، فهدانا الله لليوم الذي فرضه ، وهو يوم الجمعة .

( ذكر ما يستفاد منه )

فيه دليل على فرضية الجمعة ، وهو قوله : " فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له " ، لأن التقدير : فرض الله عليهم وعلينا فضلوا وهدينا ، ووقع في رواية مسلم عن أبي الزناد بلفظ : " كتب علينا " ، وفيه أن الهداية والإضلال من الله تعالى ، كما هو قول أهل السنة . وفيه أن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة . وفيه دليل قوي على زيادة فضل هذه الأمة على الأمم السالفة . وفيه سقوط القياس مع وجود النص ، وذلك أن كلا منهما قال بالقياس مع وجود النص على قول التعيين فضلا . وفيه التفويض وترك الاختيار ، لأنهما اختارا فضلا ونحن علقنا الاختيار على من هو بيده فهدى وكفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية