صفحة جزء
1317 137 - حدثنا حبان قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال : الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين .
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على الوقف في أمر أولاد المشركين ، والترجمة فيها التوقف أيضا ، وأحاديث هذا الباب عن ابن عباس واحد وعن أبي هريرة اثنان وعن سمرة واحد كحديث ابن عباس ، والأول من حديثي أبي هريرة على التوقف ، والثاني من حديثي أبي هريرة يدل على كونهم في الجنة لكن من غير تصريح ، وحديث سمرة يدل صريحا على أنهم في الجنة وذلك قوله : والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والصبيان حوله أولاد الناس . وأصرح منه الذي يأتي في التعبير ، وهو قوله : وأما الرجل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة . قال : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين . ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا : سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم . إسناده حسن ، وورد تفسير " اللاهين " بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا ; أخرجه البزار ، حدثنا أبو كامل الفضل بن الحسين الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ، فسأله رجل فقال : يا رسول الله ، ما تقول في اللاهين ؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه كلمة ، فلما [ ص: 212 ] فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة طائف فإذا هو بغلام قد وقع يعبث في الأرض ، فنادى مناديه : أين السائل عن اللاهين ؟ فأقبل الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الأطفال ، ثم قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، هذا من اللاهين . وروى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت : " قلت : يا رسول الله ، من في الجنة ؟ قال : النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والوئيد في الجنة " ، إسناده حسن .

( ذكر رجاله ) : وهم ستة ; حبان - بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة - ابن موسى ، مر غير مرة . وأبو بشر - بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة - واسمه جعفر بن أبي وحشية ، وقد مر أيضا .

وفي سنده التحديث بصيغة الجمع في موضع ، وفيه الإخبار كذلك في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان وشعبة واسطي وأبو بشر بصري وسعيد بن جبير كوفي .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في القدر عن محمد بن بشار ، وأخرجه مسلم في القدر عن يحيى بن يحيى ، وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد ، وأخرجه النسائي في الجنائز عن مجاهد بن موسى وعن محمد بن المثنى .

قوله ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، لم يدر هذا السائل من هو ، قيل : يحتمل أن تكون عائشة هي السائلة لما روى أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن أبي قيس عنها قالت : " قلت : يا رسول الله ، ذراري المسلمين ؟ قال : مع آبائهم . قلت : يا رسول الله ، بلا عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . . . " الحديث ، وروى ابن عبد البر من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : سألت خديجة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال : هم مع آبائهم . ثم سألته عن ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين . ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزلت : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، فقال : هم على الفطرة - أو قال : في الجنة .

وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف ، ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع .

قوله ( إذ خلقهم ) ; أي حين خلقهم .

قوله ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) ، قال ابن قتيبة : أي علم أنهم لا يعلمون شيئا ولا يرجعون فيعملون ، أو أخبر بعلم الشيء لو وجد كيف يكون ; مثل قوله : ولو ردوا لعادوا ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل ، وقال ابن بطال : يحتمل قوله " الله أعلم بما كانوا عاملين " وجوها من التأويل ; أحدها : أن يكون قبل إعلامه أنهم من أهل الجنة . الثاني : أي على أي دين يميتهم لو عاشوا فبلغوا العمل ، فأما إذا عدم منهم العمل فهم في رحمة الله التي ينالها من لا ذنب له . الثالث : أنه مجمل يفسره قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم الآية ، فهذا إقرار عام يدخل فيه أولاد المؤمنين والمشركين ، فمن مات منهم قبل بلوغ الحنث ممن أقر بهذا الإقرار من أولاد الناس كلهم فهو على إقراره المتقدم لا يقضى له بغيره لأنه لم يدخل عليه ما ينقضه إلى أن يبلغ الحنث ، وأما من قال حكمهم حكم آبائهم فهو مردود بقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى

( ذكر ما يستفاد منه ) : اختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة على أقوال ; الأول : أنهم في مشيئة الله تعالى ، وهو منقول عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وإسحاق ، ونقله البيهقي عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة ، والحجة فيه : الله أعلم بما كانوا عاملين .

الثاني : أنهم تبع لآبائهم ، فأولاد المسلمين في الجنة وأولاد الكفار في النار ، وحكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج واحتجوا بقوله تعالى : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ورد بأن المراد قوم نوح خاصة ، وإنما دعا بذلك لما أوحى الله إليه : إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن . فإن قلت : في الحديث هم من آبائهم أو منهم ! قلت : ذاك ورد في الحرب . فإن قلت : روى أحمد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ولدان المسلمين ، قال : في الجنة . وعن أولاد المشركين ، قال : في النار ، ولو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار . قلت : هذا حديث ضعيف جدا ; لأن في إسناده أبا عقيل مولى نهية وهو متروك .

الثالث : أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار ; لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة ولا سيئات يدخلون بها النار .

الرابع : هم خدم أهل الجنة ، وورد فيه حديث ضعيف أخرجه أبو داود الطيالسي وأبو يعلى والبزار من حديث سمرة مرفوعا : أولاد المشركين خدم أهل الجنة .

الخامس : أنهم يمتحنون [ ص: 213 ] في الآخرة بأن ترفع لهم نار ; فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن أبى عذب . وقال البزار : حدثنا محمد بن عمر بن هتاخ الكوفي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسبه قال : يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود ، فيقول الهالك في الفترة : لم يأتني كتاب ولا رسول ! ويقول المعتوه : أي رب ، لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا ! ويقول المولود : لم أدرك العمل ! قال : فترفع لهم نار فيقال لهم : ردوها - أو قال : ادخلوها . فيدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل . قال : ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا ; أي لو أدرك العمل ، فيقول تبارك وتعالى : إياي عصيتم ، فكيف برسلي بالغيب ! قال البزار : لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من حديث فضيل ، ورواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ، وقيل : قد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحة . وروى البزار من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بأربعة يوم القيامة ; بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة وبالشيخ الفاني ، كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الله تعالى لعنق من جهنم - أحسبه قال : ابرزي . فيقول لهم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم ، وإني رسول نفسي إليكم ، ادخلوا هذه . فيقول من كتب عليه الشقاء : يا رب ، أتدخلناها ومنها كنا نفرق ! ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعا ، قال : فيقول الله : قد عصيتموني ، وأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية . قال : فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار .

وروى أيضا من حديث الأسود بن سريع عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : يعرض على الله الأصم الذي لا يسمع شيئا والأحمق والهرم ورجل مات في الفترة ، فيقول الأصم : رب ، جاء الإسلام وما أسمع شيئا ! ويقول الأحمق : رب ، جاء الإسلام وما أعقل شيئا ! ويقول الذي مات في الفترة : رب ، ما أتاني لك من رسول ! قال : فيأخذ مواثيقهم فيرسل إليهم تبارك وتعالى : ادخلوا النار - فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما .

وحكى البيهقي في كتاب الاعتقاد أن مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة هو المذهب الصحيح ، واعترض بأن الآخرة ليست بدار تكليف فلا عمل فيها ولا ابتلاء ، وأجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار وأما في عرصات يوم القيامة فلا مانع من ذلك ، وقد قال تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون وفي الصحيحين أن الناس يؤمرون بالسجود فيصير ظهر المنافق طبقا فلا يستطيع أن يسجد .

السادس : أنهم في الجنة ، قال النووي : هو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى .

وقال النووي : أيضا في أطفال المشركين ثلاثة مذاهب ; قال الأكثرون : هم في النار تبعا لآبائهم . وتوقف طائفة منهم ، والثالث - هو الصحيح - أنهم من أهل الجنة لحديث إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين رآه في الجنة وحوله أولاد الناس ، والجواب عن حديث " الله أعلم بما كانوا عاملين " أنه ليس فيه تصريح بأنهم في النار . وقال القاضي البيضاوي : الثواب والعقاب ليسا بالأعمال ، وإلا لزم أن تكون الذراري لا في الجنة ولا في النار ، بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل ، فالواجب فيهم التوقف ; فمنهم من سبق القضاء بأنه سعيد حتى لو عاش عمل بعمل أهل الجنة ، ومنهم بالعكس .

التالي السابق


الخدمات العلمية