صفحة جزء
1332 151 - حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا شعبة ، عن ابن عثمان بن عبد الله بن موهب ، [ ص: 239 ] عن موسى بن طلحة ، عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة . قال : ماله ؟ ماله ؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرب ماله ؟ تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم .
مطابقته للترجمة في قوله " وتؤتي الزكاة " ، فإنها ذكرت مقارنة للصلاة التي ذكرت مقارنة للتوحيد ، فإن قوله " تعبد الله ولا تشرك به شيئا " عبارة عن التوحيد .

( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ; الأول : حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة ، أبو عمر الحوضي . الثاني : شعبة بن الحجاج . الثالث : محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب - بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء وبالباء الموحدة . الرابع : موسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي ، مات سنة أربع ومائة . الخامس : أبو أيوب الأنصاري ، واسمه خالد بن زيد بن كليب ، يقول في حديثه : إن رجلا . وقال ابن قتيبة : إن هذا الرجل هو أبو أيوب الراوي . ونسبه بعضهم إلى الغلط وهو غير موجه ، إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له ، فإن قلت : هذا يبعد هاهنا ; لأنه جاء في رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه التي تأتي بعد بأنه أعرابي - قلت : أجيب بالمنع لعدم المانع من تعدد القصة .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن شيخه من أفراده وأنه كوفي وشعبة واسطي وابن عثمان وموسى مدنيان ، وفيه ابن مختلف فيه هل هو محمد بن عثمان أو عمرو بن عثمان وفي بعض النسخ حدثنا شعبة عن محمد بن عثمان ، ونذكر عن قريب وجه ذلك .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي الوليد عن شعبة ، وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عن عمرو بن عثمان عنه به ، وعن محمد بن حاتم وعبد الرحمن بن نصر كلاهما عن بهز عن شعبة عن محمد بن عثمان وأبيه عثمان به ، وعن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عنه به . وأخرجه النسائي في الصلاة وفي العلم عن محمد بن عثمان بن أبي صفوان عن بهز به .

( ذكر معناه ) : قوله ( يدخلني ) الجزم فيه على جواب الأمر غير مستقيم ; لأنه إذا جعل جواب الأمر يبقى قوله " بعمل " غير موصوف ، والنكرة غير الموصوفة لا تفيد ، كذا قاله صاحب المظهر شارح المصابيح . قلت : التنكير في " بعمل " للتفخيم أو التنويع ; أي بعمل عظيم أو معتبر في الشرع ، أو نقول إذا صح الجزم فيه إن جزاء الشرط محذوف تقديره أخبرني بعمل إن عملته يدخلني الجنة ، فالجملة الشرطية بأسرها صفة لعمل ، فافهم .

قوله ( ماله ؟ ماله ؟ ) ، كلمة " ما " للاستفهام ، والتكرار للتأكيد ، قاله ابن بطال . ويجوز أن تكون بمعنى : أي شيء جرى له ؟

قوله ( أرب ) ، اختلفوا في هيئة هذه الكلمة وفي معناها أيضا ، أما في الأول فقيل " أرب " بفتح الهمزة وكسر الراء وتنوين الباء على وزن حذر ، وقال ابن قرقول : يروى " أرب ماله " اسم فاعل مثل حذر . قلت : لا يسمى مثل هذا اسم فاعل ، بل هو صفة مشبهة .

وقيل " أرب " بفتح الهمزة وفتح الراء أيضا وتنوين الباء .

وقيل " أرب " بفتح الهمزة وفتح الراء وفتح الباء على صيغة الماضي ، وروي هذا عن أبي ذر .

وقيل على صيغة الماضي ولكنه بكسر الراء .

فهذه أربعة أقوال ، وأما اختلافهم في المعنى ففي الوجه الأول معناه صاحب الحاجة ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أرب ، ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حريص في سؤاله قال " ماله ؟ " متعجبا من حرصه بطريق الاستفهام . وفي الوجه الثاني معناه له أرب ; أي حاجة ، فيكون ارتفاعه على أنه مبتدأ خبره محذوف . وفي الوجه الثالث والرابع اللذين بصورة الماضي على اختلاف حركة عين الفعل معناه احتاج فسأل عن حاجته ، وقال النضر بن شميل : يقال أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده . وقال ابن الأنباري : سقط آرابه أي أعضاؤه ، ومفرده الأرب هذه كلمة لا يراد بها وقوع الأمر ، كما تقول تربت يداك وإنما تستعمل عند التعجب ، وقيل لما رأى الرجل يزاحم دعا عليه دعاء لا يستجاب في المدعو عليه . وقال الأصمعي : أرب الرجل في الشيء إذا صار ماهرا فيه ، فيكون المعنى التعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته ، فلذلك قال " ماله ؟ " بالاستفهام .

[ ص: 240 ] وقال الكرماني : وأما ما رواه بعضهم بكسر الراء وتنوين الباء ومعناه هو أرب أي صادق فطن فليس بمحفوظ عند أهل الحديث ، وفي رواية " قال الناس : ماله ؟ ماله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرب ماله ؟ ، و" ما " صلة ; أي حاجة ما أو أمر ماله ، انتهى .

قلت : لهذه المادة معان كثيرة : الإرب - بكسر الهمزة وسكون الراء - العضو ، كما في الحديث : أمرت أن أسجد على سبعة آراب . وهو جمع إرب وجاء على أرؤب .

والإرب أيضا الدهاء ، ويقال هو ذو إرب أي ذو عقل ، ومنه الأريب وهو العاقل .

والإرب أيضا الحاجة ، وفيه لغات : أرب وأربة وأرب ومأربة ، تقول منه أرب الرجل بالكسر يأرب بالفتح أربا ، ويقال أرب الدهر إذا اشتد ، وأرب الرجل إذا تساقطت أعضاؤه ، وأرب بالشيء درب به وصار بصيرا فيه فهو أرب .

والأربة بالضم العقدة ، والإربة بالكسر المعتوه ، قال تعالى : غير أولي الإربة قال سعيد بن جبير : هو المعتوه ، وتأريب العقدة إحكامها ، ومنه يقال أرب عقدتك أي أحكمها ، وتأريب الشيء أيضا توفيره ، وكل موفر مؤرب . وقال الأصمعي : التأرب التشدد في الشيء ، وأربت على القوم أي فزت عليهم ، والأرب بالضم صغار الغنم حين تولد .

قوله ( تعبد الله ) ; أي توحده ، وفسره بقوله " ولا تشرك به شيئا " ، قال تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي ليوحدوني ، والتحقيق هنا أن العبادة الطاعة مع خضوع فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيته ، فعلى هذا يكون عطف الصلاة وعطف ما بعدها عليها لإدخالها في الإسلام وأنها لم تكن دخلت في العبادة ، ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل جميع وظائف الإسلام فيها ، فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من باب عطف الخاص على العام تنبيها على شرفه ومزيته ، وإنما ذكر قوله " ولا تشرك به شيئا " بعد العبادة لأن الكفار كانوا يعبدونه سبحانه في الصورة ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها شركاء ، فنفى هذا .

قوله ( وتقيم الصلاة المكتوبة ) اقتباس من قوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد جاء في أحاديث وصفها بالمكتوبة كقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " ، و" أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل " ، و"خمس صلوات كتبهن الله " . ومعنى إقامة الصلاة إدامتها والمحافظة عليها ، وقيل إتمامها على وجهها .

قوله ( وتصل الرحم ) من وصل يصل صلة ، وصلة الرحم مشاركة ذوي القرابة في الخيرات ، وإنما خص هذا من بين سائر واجبات الدين نظرا إلى حال السائل كأنه كان قطاعا للرحم مبيحا لذلك ، فأمره به لأنه هو المهم بالنسبة إليه . وقال ابن الجوزي : فإن قيل : قد علم بسؤال الرجل أن له حاجة ، فما الفائدة في قوله " له حاجة " ؟ فالجواب أن المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به ، وقال القرطبي : إنما لم يخبرهم بالتطوع لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم للتخفيف ولئلا يعتقدوا أن التطوعات واجبة ، فتركهم إلى أن تنشرح صدورهم لها فتسهل عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية