صفحة جزء
1339 لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ليس فيما دون خمسة أواق صدقة .
علل البخاري بهذا الحديث حيث ذكره بلام التعليل صحة ترجمته بقوله " باب ما أدي زكاته فليس بكنز " ; لأن شرط كون الكنز شيئان ، أحدهما : أن يكون نصابا ، والثاني : أن لا يخرج منه زكاته ، فإذا عدم النصاب لا يلزمه شيء فلا يكون كنزا ولا يدخل تحت قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة فلا يستحق العذاب ، وإذا وجد النصاب ولم يزك يكون كنزا فيدخل تحت الآية ويستحق العذاب ، وإذا وجد النصاب وزكى لا يكون كنزا فلا يستحق العذاب ، وهذا هو الترجمة . فإن قلت : كيف يطابق هذا التعليل الترجمة والترجمة فيما أدي زكاته فليس بكنز ، والحديث فيما إذا كان العين أقل من خمسة أواق ليست فيها صدقة أي زكاة ؟ وبهذا الوجه اعترض الإسماعيلي على هذه الترجمة - قلت : تكلف فيه بأن قيل : إن مراده أن ما دون خمسة أواق ليس بكنز لأنه لا صدقة فيه ، فإذا كانت خمسة أواق أو أكثر وأدى زكاتها فليست بكنز فلا يدخل تحت الوعيد ، وعن هذا قال ابن بطال : نزع البخاري بأن كل ما أدي زكاته فليس بكنز لإيجاب الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل خمس أواق ربع عشرها ، فإذا كان ذلك فرض الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمعلوم أن الكنز هو المال وإن بلغ ألوفا إذا أديت زكاته فليس بكنز ولا يحرم على صاحبه اكتنازه ; لأنه لم يتوعد عليه ، وإنما الوعيد على ما لم تؤد زكاته . وقيل : أراد البخاري بهذه الترجمة حديثا رواه جابر مرفوعا : أيما مال أديت زكاته فليس بكنز . لكنه ليس على شرطه فلم يخرجه ، انتهى . قلت : هذا مستبعد جدا ; لأنه كيف يترجم بشيء ثم يعلله بالحديث المذكور ويشير إلى حديث آخر ليس عنده بصحيح ، وهذا غير موجه ، ولو قال هذا القائل : أراد بهذه الترجمة حديثا روته أم سلمة مرفوعا " ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز " لكان له وجه ما ; لأن حديث أم سلمة رواه أبو داود من رواية ثابت بن عجلان عن عطاء عنها قالت : كنت ألبس أوضاحا من ذهب ، فقلت : يا رسول الله ، أكنز هو ؟ فقال : ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز . وإسناده جيد ، ورجاله رجال البخاري .

وأخرجه الحاكم أيضا وصححه ، وقال : على شرط البخاري . وأما حديث جابر فأخرجه أحمد في مسنده بسند ضعيف ، وقال أبو زرعة في العلل لابن أبي حاتم : الصحيح أنه موقوف . وأخرجه الحاكم في المستدرك من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه . ورواه البيهقي هكذا ، ثم رواه موقوفا على جابر وقال : هذا أصح . ويجيء الكلام في معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : " ليس فيما دون خمسة أواق صدقة " في حديث أبي سعيد في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية