صفحة جزء
1344 ( لقوله : ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
علل كون الصدقة من كسب طيب بقوله تعالى : ويربي الصدقات أي : يزيد فيها ، ويبارك في الدنيا ، ويضاعف الثواب في الآخرة ، والكسب الطيب هو من الحلال ، قال تعالى : أنفقوا من طيبات ما كسبتم و كلوا من طيبات ما رزقناكم [ ص: 269 ] وإنما لا يقبل الله المال الحرام ; لأنه غير مملوك للمتصدق ، وهو ممنوع من التصرف فيه ، والتصدق به تصرف فيه ، فلو قبلت لزم أن يكون مأمورا به ومنهيا عنه من وجه واحد ، وذلك محال .

( فإن قلت ) : قوله : " ويربي الصدقات " لفظ عام لما يكون من الكسب الطيب ومن غيره فكيف يدل على الترجمة .

( قلت ) : هو مقيد بالصدقات التي من المال الحلال بقرينة السياق نحو ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون

( قلت ) : قوله تعالى : يمحق الله الربا أقرب للاستدلال على ما ذكره من قوله ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون لأن الله تعالى أخبر في هذه الآية الكريمة أنه يمحق الربا ، أي : يذهبه ، إما بأن يذهب بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله ، فلا ينتفع به ، بل يعذبه به في الدنيا ، ويعاقبه عليه يوم القيامة ، وروى الإمام أحمد في مسنده ، فقال : حدثنا حجاج ، حدثنا شريك ، عن الركين بن الربيع ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل ، وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود ، ثم إن الله تعالى لما أخبر بأنه يمحق الربا ; لأنه حرام ، أخبر أنه يربي الصدقات التي من الكسب الحلال .

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من تصدق بعدل تمرة " الحديث على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى ، ولما قرن بين قوله يمحق الله الربا وبين قوله ويربي الصدقات بواو العطف علم أن إرباء الصدقات إنما يكون إذا كانت من الكسب الحلال بقرينة محقه الربا لكونه حراما ، قوله : والله لا يحب كل كفار أثيم أي : لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل ، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة ، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح ، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة ، فهو جحود لما عليه من النعمة ، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل ، ثم قال تعالى وتقدس مادحا للمؤمنين بربهم المطيعين أمره المؤدين شكره ، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مخبرا عما أعد لهم من الكرامة ، وأنهم يوم القيامة آمنون من التبعات ، فقال : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أي : لا خوف عليهم عند الموت ، ولا هم يحزنون يوم القيامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية