صفحة جزء
1349 ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم الآية ، وإلى قوله : من كل الثمرات
ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على قليل النفقة وكثيرها ; لأن قوله : أموالهم يتناول القليل والكثير وفيها حث على الصدقة مطلقا ، فذكرها يناسب التبويب ، وهذا مثل للمؤمنين الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم ، والابتغاء : الطلب ، قوله : وتثبيتا عطف على ابتغاء مرضات الله والتقدير : مبتغين ومتثبتين من أنفسهم بالإخلاص ، وذلك ببذل المال الذي هو شقيق الروح ، وبذله أشق شيء على النفس على سائر العبادات الشاقة ، وكأن إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين ، وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون المعنى : وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ، وتعضده قراءة مجاهد ( وتثبتا من أنفسهم ) ، وقال الشعبي : تثبيتا من أنفسهم ، أي : تصديقا أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، وكذا قاله قتادة وأبو صالح وابن زيد ، وقال مجاهد والحسن : أي : يثبتون أين يضعون صدقاتهم ، وقال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان لله أمضى وإلا ترك ، قوله " الآية " ، أي : إلى آخر الآية ، وهو قوله كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير قوله : كمثل جنة خبر المبتدأ ، أعني : قوله مثل الذين ينفقون أي : كمثل بستان كائن بربوة ، وهي عند الجمهور : المكان المرتفع المستوي من الأرض ، وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار ، قال ابن جرير : وفي الربوة ثلاث لغات من ثلاث قراءات بضم الراء ، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق وفتحها ، وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ، ويقال : إنها لغة بني تميم وكسر الراء ، ويذكر أنها قراءة ابن عباس ، وإنما سميت بذلك ; لأنها ربت وغلظت من قولهم : ربا الشيء يربو : إذا زاد وانتفخ ، وإنما خص الربوة ; لأن شجرها أزكى وأحسن ثمرا ، قوله : أصابها وابل أي : مطر عظيم القطر شديد ، وهي في محل الجر ; لأنها صفة ربوة ، قوله : فآتت أكلها أي ثمرها ضعفين أي : مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل ، ويقال : أي مضاعفا تحمل من السنة ما يحمل غيرها من السنتين ، قوله : فإن لم يصبها أي : تلك الجنة التي بالربوة وابل فطل أي : فالذي يصيبها طل ، وهو أضعف المطر ، وقال الزجاج : هو المطر الدائم الصغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب . وقيل : الطل هو الندى ، وقال زيد بن أسلم : هي أرض مصر ، فإن لم يصبها وابل زكت ، وإن أصابها أضعفت ، أي : هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا ; لأنها إن لم يصبها وابل فطل أيا ما كان ، فهو كفايتها وكذلك عمل المؤمنين لا يبور أبدا ، بل يتقبله الله منه ، ويكثره ، وينميه لكل عامل بحسبه ، ولهذا قال : والله بما تعملون بصير أي : لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء ، قوله : " وإلى قوله : من كل الثمرات إلى آخره ، وهو قوله تعالى : أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات روى ابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : ضرب الله مثلا حسنا وكل أمثاله حسن ، قال : أيود أحدكم إلى آخره ، وقال بعض المفسرين : قوله : أيود أحدكم متصل بقوله : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وإنما قال : جنة من نخيل وأعناب لأن النخيل والأعناب لما كانت من أكرم الشجر وأكثرها منافع خصهما بالذكر ، ولفظ نخيل جمع نادر . وقيل : هو جنس ، وتمام الآية : وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون قال الزمخشري : الهمزة في أيود للإنكار ، قوله : وأصابه الكبر الواو فيه للحال وله ذرية ضعفاء وقرئ ( ضعاف ) قوله : إعصار هو الريح التي تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود ، وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله ، فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للثمار ، فبلغ الكبر وله أولاد ضعاف ، والجنة معاشهم ومنتعشهم فهلكت بالصاعقة ، قوله : كذلك يبين الله لكم الآيات يعني : كما بين هذه الأمثال لعلكم تتفكرون بهذه الأمثال وتعتبرون بها وتنزلونها على المراد منها ، كما قال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون

التالي السابق


الخدمات العلمية