صفحة جزء
1349 [ ص: 276 ] 19 - حدثنا عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا أبو النعمان الحكم ، هو ابن عبد الله البصري قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا مرائي ، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا : إن الله لغني عن صاع هذا ، فنزلت : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم الآية .
مطابقته للترجمة من حيث إن الله لما أنزل آية الصدقة حث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليها ، فمنهم من تصدق بكثير ، ومنهم من تصدق بقليل ، حتى إن منهم من يعمل بالأجرة فيتصدق منه ، كما فهم ذلك من الحديث ، والترجمة أيضا تدل على الحث على الصدقة وإن كانت شق تمرة .

( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول : عبيد الله بن سعيد بن يحيى بن برد بضم الباء الموحدة ، أبو قدامة بضم القاف وتخفيف الدال اليشكري ، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين . الثاني : أبو النعمان الحكم بالحاء والكاف المفتوحتين ابن عبد الله الأنصاري . الثالث : شعبة بن الحجاج . الرابع : سليمان بن مهران الأعمش . الخامس : أبو وائل شقيق بن سلمة . السادس : أبو مسعود ، واسمه عقبة الأنصاري البدري ، وقد مر .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع .

وفيه : العنعنة في ثلاثة مواضع .

وفيه : القول في موضع واحد .

وفيه : ثلاثة مذكورون بالكنى .

وفيه : اثنان مجردان عن النسبة .

وفيه : رواية التابعي ، عن التابعي ، عن الصحابي .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في التفسير ، عن بشر بن خالد ، عن غندر .

وفي الزكاة أيضا ، عن سعيد بن يحيى بن سعيد .

وفي التفسير أيضا ، عن إسحاق بن إبراهيم ، وأخرجه مسلم في الزكاة ، عن يحيى بن معين وبشر بن خالد ، وعن بندار ، وعن إسحاق بن منصور ، وأخرجه النسائي فيه ، عن بشر بن خالد .

وفي التفسير أيضا عنه .

وفي الزكاة أيضا ، عن الحسين بن حريث ، وأخرجه ابن ماجه في الزهد ، عن محمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب كلاهما ، عن أبي أسامة في معناه .

( ذكر معناه ) قوله : " لما نزلت آية الصدقة " ، وهي قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة الآية ، قوله : " كنا نحامل " جواب لما معناه كنا نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به .

وفي رواية لمسلم : " كنا نحامل على ظهورنا " معناه نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة ، أو نتصدق بها كلها .

( فإن قلت ) : نحامل من باب المفاعلة ، وهي لا تكون إلا بين اثنين .

( قلت ) : قد يجيء هذا الباب بمعنى فعل كما في قوله تعالى : وسارعوا إلى مغفرة أي : أسرعوا ، ونحامل كذلك بمعنى نحمل ، وقال صاحب التلويح : قوله " نحامل " قال ابن سيده : تحامل في الأمر تكلفه على مشقة وإعياء ، وتحامل عليه : كلفه ما لا يطيق . وفيه نظر ; لأن هذا المعنى لا يناسب هاهنا ، وفيه : التحريض على الاعتناء بالصدقة ، وأنه إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة ، قوله : " فجاء رجل فتصدق بشيء كثير " هو عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - والشيء الكثير كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف .

وفي أسباب النزول للواحدي : حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم شطر ماله يومئذ ، وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن عجلان بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فلمزهم المنافقون ، فنزلت هذه الآية : الذين يلمزون المطوعين وقال السهيلي في كتابه التعريف والإعلام : أبو عقيل اسمه حبحاب أحد بني أنيف . وقيل : الملموز رفاعة بن سهيل ، وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا الجريري ، عن أبي السليل قال : وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع ، فقال : حدثني أبي أو عمي أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبقيع ، وهو يقول : من تصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة ؟ قال : فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين ، وأنا أريد أن أتصدق بهما ، فأدركني ما يدرك ابن آدم ، فعقدت على عمامتي ، فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلا أشد سوادا منه ببعير ساقه لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها ، [ ص: 277 ] فقال : يا رسول الله ، أصدقة ؟ قال : نعم ، قال : دونك هذه الناقة ، قال : فلمزه رجل ، فقال : هذا يتصدق بهذه ، فوالله لهي خير منه ، قال : فسمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : كذبت ، بل هو خير منك ومنها ثلاث مرات ، ثم قال : ويل لأصحاب المئين من الإبل ثلاثا ، قالوا : ألا من يا رسول الله ، قال : ألا من ، قال : بالمال هكذا وهكذا ، وجمع بين كفيه عن يمينه ، وعن شماله ، ثم قال : قد أفلح المزهد المجهد ثلاثا ، المزهد في العيش والمجهد في العبادة ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء رجل من الأنصار بصاع من طعام ، فقال بعض المنافقين : والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء ، وقال : إن الله ورسوله لغنيان ، عن هذا الصاع ، وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن موسى بن عبيدة ، حدثني خالد بن يسار ، عن ابن أبي عقيل ، عن أبيه قال : بت أجر الجريد على ظهري على صاعين من تمر ، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يبلغون به وجئت بالآخر أتقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال : انثره في الصدقة ، قال : فسخر القوم ، وقال : لقد كان الله غنيا عن صدقة هذا المسكين ! فأنزل الله : الذين يلمزون المطوعين الآية ، قوله : " وجاء رجل " هو أبو عقيل بفتح العين ، وقد ذكرنا اسمه آنفا ، قوله : " فنزلت الذين يلمزون من اللمز ، يقال : لمزه يلمزه ويلمزه : إذا عابه ، وكذلك همزه يهمزه ، ومحل الذين يلمزون نصب بالذم ، أو رفع على الذم ، أو جر بدلا من الضمير في ( سرهم ونجواهم ) قوله : " المطوعين " أصله المتطوعين ، فأبدلت التاء طاء ، وأدغمت الطاء في الطاء ، أي : المتبرعين ، وزعم أبو إسحاق أن الرواية عن ثعلب بتخفيف الطاء وتشديد الواو ، وقال : هذا غير جيد ، والصحيح تشديدها ، وأنكر ذلك ثعلب عليه ، وقال : إنما هو بالتشديد ، قوله والذين لا يجدون إلا جهدهم قال أهل اللغة : الجهد بالضم الطاقة ، والجهد بالنصب المشقة ، وقال الشعبي : الجهد هو القدرة والجهد في العمل ، وتمام الآية قوله : فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم أي : يستهزئون بهم سخر الله منهم يعني : يجازيهم جزاء سخريتهم ، وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين ; لأن الجزاء من جنس العمل ولهم عذاب أليم يعني : وجيع دائم .

التالي السابق


الخدمات العلمية