صفحة جزء
( باب المنان بما أعطى ) .
أي هذا باب في بيان ذم المنان بما أعطى ، أي : بما أعطاه ، وإنما قدرنا هكذا ; لأن لفظ المنان يشعر بالذم ; لأنه لا يذكر إلا في موضع الذم في حق بني آدم ، ولهذا قال تعالى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فإذا كان المن مبطلا للصدقات يكون من الأشياء الذميمة ، قال ابن بطال : الامتنان مبطل لأجر الصدقة . قال تعالى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وقال القرطبي : لا يكون المن غالبا إلا عن البخل والكبر والعجب ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم عليه ، فالبخيل تعظم في نفسه العطية ، وإن كانت حقيرة في نفسها ، والعجب يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة ، وأنه منعم بماله على المعطى ، والكبر يحمله على أن يحقر المعطى له وإن كان في نفسه فاضلا ، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم عليه ، ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يزيل عن المعطي من إثم المنع وذم المانع ، ولما يحصل له من الأجر الجزيل والثناء الجميل ، انتهى .

وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوعيد الشديد في حق المنان فيما رواه مسلم من حديث أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة ، والمنفق سلعته بالحلف ، والمسبل إزاره " .

وفي الباب أيضا ، عن ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وأبي أمامة بن ثعلبة وعمران بن حصين ومعقل بن يسار .

( فإن قلت ) : لم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا .

( قلت ) : كأنه لم يتفق له حديث على شرطه ، فلذلك اكتفى بذكر الآية المذكورة .

وفي التلويح والذي يقارب شرطه حديث أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكرناه ، وقال بعضهم : كأنه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا .

( قلت ) : هذا كلام غير موجه ; لأنه كيف يشير إلى شيء ليس بموجود ، والإشارة إنما تكون للحاضر ، ولهذا لم تثبت هذه الترجمة إلا في رواية الكشميهني وحده بغير حديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية