صفحة جزء
1461 130 - حدثنا الحميدي، قال: حدثنا الوليد، وبشر بن بكر التنيسي، قالا: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى، قال: حدثني عكرمة أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة.
مطابقته للترجمة في قوله: "الوادي المبارك".

(ذكر رجاله): وهم ثمانية:

الأول: الحميدي بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء آخر الحروف، وبالدال المهملة، وهو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن العوام، مر في أول الصحيح.

الثاني: الوليد بن مسلم، مر في وقت المغرب في كتاب الصلاة.

الثالث: بشر -بكسر الباء الموحدة، وسكون الشين المعجمة- التنيسي -بكسر التاء المثناة، وتشديد النون، وسكون الياء آخر الحروف، وبالسين المهملة - نسبة إلى تنيس بلدة كانت في جزيرة في وسط بحيرة تعرف ببحيرة تنيس هذه شرقي أرض مصر، مر في (باب من أخف الصلاة).

الرابع: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، تكرر ذكره.

الخامس: يحيى بن أبي كثير.

السادس: عكرمة مولى ابن عباس.

السابع: عبد الله بن عباس.

الثامن: عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

(ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وبصيغة الإفراد في موضع.

وفيه العنعنة في موضع.

وفيه السماع في ثلاثة مواضع.

وفيه القول في أربعة مواضع.

وفيه أن شيخه من أفراده، وأن نسبته إلى أحد أجداده، وأن الوليد والأوزاعي دمشقيان، وأن يحيى يمامي طائي، وأن عكرمة مدني.

وفيه ثلاثة مذكورون بالنسبة.

(ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره):

أخرجه [ ص: 148 ] البخاري أيضا في المزارعة عن إسحاق بن إبراهيم، وفي الاعتصام عن سعيد بن الربيع.

وأخرجه أبو داود في الحج عن النفيلي.

وأخرجه ابن ماجه فيه عن دحيم عن الوليد. وعن أبي بكر بن أبي شيبة.

(ذكر معناه): قوله: (بوادي العقيق) حال، والباء بمعنى في.

قوله: (آت) هو جبريل عليه الصلاة والسلام، قالوا هكذا.

قلت: يحتمل أن يكون ملكا من الملائكة غير جبريل; لأن إسرافيل أيضا نزل إليه مدة، ولكن صرح في رواية البيهقي أنه جبريل عليه الصلاة والسلام.

قوله: (من ربي) جملة في محل الرفع; لأنها صفة لقوله "آت" و"آت" فاعل أتى، وأصله آتي، فأعل إعلال قاض.

قوله: (صل) أمر بالصلاة، قال الكرماني: ظاهره أن هذه الصلاة صلاة الإحرام.

وقيل: كانت صلاة الصبح، والأول أظهر.

قوله: (وقل: عمرة في حجة) عمرة منصوب في رواية أبي ذر، ومرفوع في رواية الأكثرين، وأما وجه النصب فبفعل مقدر تقديره: قل: جعلت عمرة في حجة، وأما وجه الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: قل هذه عمرة في حجة.

وقال الخطابي: إما أن تكون في بمعنى مع، كأنه قال: عمرة معها حجة، وإما أن يراد: عمرة مدرجة في حجة على مذهب من رأى أن عمل العمرة مضمن في عمل الحج يجزيه لهما طواف واحد.

قلت: هذا بعيد، وأبعد منه من قال: إنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك.

وقال الطبري: يحتمل أن يكون أمرا بأن يقول ذلك لأصحابه ليعلمهم مشروعية القران، وهو كقوله: دخلت العمرة في الحج، ورد عليه بأنه ليس نظيره; لأن قوله: "دخلت" إلى آخره تأسيس قاعدة، وقوله: "عمرة في حجة" بالتنكير يستدعي على الوحدة، وهو إشارة إلى الفعل الواقع في القران إذ ذاك. والآن نحرر هذا المبحث إن شاء الله تعالى.

(ذكر ما يستفاد منه):

فيه فضل العقيق لفضل المدينة.

وفيه فضل الصلاة فيه، ومطلوبيتها عند الإحرام، لا سيما في هذا الوادي المبارك، وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن الحسن البصري، فإنه استحب كونها بعد فرض.

وقال الطبري: ومعنى الحديث الإعلام بفضل المكان لا إيجاب الصلاة فيه لقيام الإجماع على أن الصلاة في هذا الوادي ليست بفرض. قال: فبان بذلك أن أمره بالصلاة فيه نظير حثه لأمته على الصلاة في مسجده، ومسجد قبا.

قلت: الصلاة بركعتين من سنة الإحرام; لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أمر إرشاد، وأنه صلى ركعتين، ولا يصليهما في الوقت المكروه.

وقال النووي: فإن كان إحرامه في وقت من الأوقات المنهي فيها عن الصلاة لم يصلهما، هذا هو المشهور.

وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يصليهما فيه; لأن سببهما إرادة الإحرام، وقد وجد ذلك.

وفيه استحباب نزول الحاج في منزلة قريبة من البلد، ومبيتهم بها ليجتمع إليهم من تأخر عنهم ممن أراد مرافقتهم، وليستدرك حاجته من نسيها فيرجع إليها من قريب.

وفيه أفضلية القران، والدلالة على وجوده، وعلى أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان قارنا في حجة الوداع؛ وذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمر أن يقول: "عمرة في حجة" فيكون مأمورا بأنه يجمع بينهما من الميقات، وهذا هو عين القران، فإذا كان مأمورا به استحال أن يكون حجه خلاف ما أمر به.

(فإن قلت): لا نسلم ذلك، ولا يدل ذلك على أفضلية القران، ولا على كون النبي صلى الله عليه وسلم قارنا; لأنه جاء في رواية أخرى: "قل عمرة وحجة" ففصل بينهما بالواو، فحينئذ يحتمل أن يريد أن يحرم بعمرة إذا فرغ من حجته قبل أن يرجع إلى منزله، فكأنه قال: إذا حججت فقل لبيك بعمرة، وتكون في حجتك التي حججت، أو يكون محمولا على معنى تحصيلهما معا.

(قلت): رواية البخاري وغيره: "قل عمرة في حجة" وهذه هي الصحيحة، وهي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل العمرة في الحجة، وهي صفة القران، والرواية التي بواو العطف تدل على ما قلنا أيضا; لأن الواو لمطلق الجمع، والجمع بين الحج والعمرة هو القران، فيدل أيضا على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وما ذكروه من الاحتمال بعيد. وصرف اللفظ إلى غير مدلوله، فلا يقبل، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية