صفحة جزء
1486 154 - حدثنا عثمان، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن فأحللن، قالت عائشة رضي الله عنها: فحضت فلم أطف بالبيت، فلما كانت ليلة الحصبة قالت: يا رسول الله، يرجع الناس بعمرة وحجة وأرجع أنا بحجة، قال: وما طفت ليالي قدمنا مكة؟ قلت: لا، قال: فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا، قالت صفية: ما أراني إلا حابستهم، قال: عقرى حلقى أوما طفت يوم النحر؟ قالت: قلت: بلى، قال: لا بأس انفري، قالت عائشة رضي الله عنها: فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها.
مطابقته للترجمة في الجزء الأخير منها وهو قوله: "وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي" في قوله: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 196 ] من لم يكن ساق الهدي أن يحل" أي من الحج إلى العمرة، وهذا هو فسخ الحج.

ورجاله قد ذكروا في (باب من سأل في كتاب العلم) وعثمان هو ابن أبي شيبة، وجرير -بفتح الجيم - ابن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد خال إبراهيم، وكلهم كوفيون.

والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي النعمان، عن أبي عوانة، عن جرير.

وأخرجه مسلم في الحج أيضا، عن زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن جرير به.

وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة به.

وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن قدامة، عن جرير به.

(ذكر معناه):

قوله: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) وكان خروجهم في أشهر الحج، كما قد بينه في الحديث الذي مضى في الباب السابق.

قوله: (ولا نرى) بضم النون أي ولا نظن.

وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح النون وبعضهم بضمها. وقال القرطبي: كان هذا قبل أن يعلمن بأحكام الإحرام وأنواعه.

وقيل: يحتمل أن ذلك كان اعتقادها من قبل أن تهل، ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد بقولها (لا نرى) حكاية عن فعل غيرها من الصحابة، وهم كانوا لا يعرفون غيره، وزعم عياض أنها كانت أحرمت بالحج ثم أحرمت بالعمرة ثم أحرمت بالحج، ويدل على أن المراد بقولها: "لا نرى إلا الحج" من فعل غيرها.

قوله: (فلما قدمنا تطوفنا بالبيت) تعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والناس غيرها؛ لأنها لم تطف بالبيت في ذلك الوقت لأجل حيضها، وفي رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة: (خرجنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مهلين بالحج) وفي رواية مسلم من طريق القاسم عنها: (لا نذكر إلا الحج) وفي رواية للبخاري أيضا كذلك، وقد مضت في كتاب الحيض، وله أيضا من هذا الوجه (لبينا بالحج) وظاهر هذا يقتضي أن عائشة كانت مع الصحابة أولا محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها هنا (فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج).

فإن قلت: ما وجه هذا؟ قلت: يحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، فيخرجون لا يعرفون إلا الحج، فلذلك قالت: (مهلين بالحج) ولا نرى إلا أنه الحج، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج.

فإن قلت: قد مر في كتاب الحيض أنها قالت: أهللت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فكنت فيمن تمتع ولم يسق الهدي.

قلت: الجواب عنه ما قاله عياض الذي قد ذكرناه آنفا، وكذلك الجواب عن قولها: (وكنت ممن أهل بعمرة) وقد مضى في كتاب الحيض، وسيأتي في المغازي.

وادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة، وأن الصواب رواية الأسود والقاسم وعروة عنها أنها أهلت بالحج مفردا، ورد عليه بأن قول عروة صريح أنها أهلت بعمرة، وقول الأسود وغيره عنها: "لا نرى إلا الحج" فليس بصريح في إهلالها بحج مفرد، فالجمع بينهما بما ذكرناه، فلا يحتاج إلى تغليط عروة، وهو أعلم الناس بحديثها.

قوله: (أن يحل) أي بأن يحل من الحج، وهو بضم الياء من الإحلال، وهو الخروج من الإحرام، قال الكرماني: ويروى بأن يحل بفتح الياء، أي يصير حلالا، والأول يناسب قولها: (فأحللن) والثاني يناسب قولها: (فحل).

فإن قلت: قوله: (فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) الفاء فيه تقتضي التعقيب، فتدل على أن الأمر كان بعد الطواف، مع أنه قد سبق الأمر بهذا.

قلت: أجاب الكرماني أنه قال مرتين قبل القدوم وبعده، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له.

قوله: (ونساؤه لم يسقن) أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقن الهدي، فلذلك أحللن.

قوله: (فلم أطف) قال الكرماني: هذا مناف لقوله: (تطوفنا) ثم أجاب بقوله: المراد بلفظ الجمع الصحابة، وهذا تخصيص لذلك العام.

قلت: قد ذكرنا أنها تعني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه؛ لأنها لم تطف ولم تدخل نفسها فيهم، فكيف يكون تخصيصا لذلك العام.

ثم قال أيضا: فكيف صح حجها بدون الطواف؟ فأجاب بأنه ليس المراد طواف ركن الحج، بدليل قولها في حديث الباب السابق: (ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت).

قوله: (ليلة الحصبة) أي الليلة التي بعد ليالي التشريق، التي ينزل الحجاج فيها في المحصب، والمشهور في الحصبة سكون الصاد، وجاء فتحها وكسرها، وهي أرض ذات حصى.

قوله: (وأرجع أنا بحجة) وفي رواية الكشميهني: (وأرجع لي بحجة) قال الكرماني: فما قول من قال: إنها كانت قارنة؟ فأجاب بقوله: إنهم يرجعون بحج منفرد وأرجع ليس لي عمرة منفردة.

قوله: (قالت صفية) هي أم المؤمنين، سبقت في باب المرأة تحيض بعد الإفاضة.

قوله: (ما أراني) أي ما أظن نفسي إلا حابسة القوم عن التوجه إلى المدينة؛ لأني حضت وما طفت بالبيت، فلعلهم بسببي [ ص: 197 ] يتوقفون إلى زمان طوافي بعد الطهارة، وإسناد الحبس إليها على سبيل المجاز.

قوله: (عقرى حلقى) قال أبو عبيد: معناه عقرها الله وأصابها وجع في حلقها، هذا على ما يرويه المحدثون، والصواب: عقرا وحلقا، أي مصدرين بالتنوين فيهما، وقيل له: لم لا يجوز فعلى؟ قال: لأن فعلى يجيء نعتا ولم يجئ في الدعاء وهذا دعاء.

وقال صاحب المحكم: معناه عقرها الله وحلق شعرها، أو أصابها في حلقها بالوجع، فعقرى هاهنا مصدر كدعوى.

وقيل: معناه تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها، وهو جمع عقير، وهو مثل جريح وجرحى لفظا ومعنى.

وقيل: عقرى عاقر لا تلد، وحلقى أي مشؤومة، قال الأصمعي: يقال أصبحت أمه حالقا أي ثاكلا. وقال النووي: وعلى الأقوال كلها هي كلمة اتسعت فيها العرب، فصارت تلفظها ولا تريد بها حقيقة معناها التي وضعت له، كتربت يداه، وقاتله الله، قال: إن المحدثين يروونه بالألف التي هي ألف التأنيث ويكتبونه بالياء ولا ينونونه.

وقيل: معناه مشؤومة مؤذية. وقال الأصمعي: يقال ذلك لأمر يعجب منه، ويقال: امرأة حالق إذا حلقت قومها بشؤمها. وقال الداودي: يريد أنت طويلة اللسان لما كلمته بما يكره، وهو مأخوذ من الحلق الذي يخرج منه الكلام.

قوله: (انفري) بكسر الفاء، أي ارجعي واذهبي؛ إذ لا حاجة لك إلى طواف الوداع؛ لأنه ساقط عن الحائض.

قوله: (فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم) إلى آخره، الواو في قوله: (وهو مصعد) للحال، وكذا الواو في قوله: (وأنا منهبطة) إنما حكت الأمر على وجهه، وشك المحدث أي الكلمتين قالت، وإنما لقيها وهو يريد المحصب وهو يهبط إلى مكة، والمصعد في اللغة المبتدئ في السير، والصاعد الراقي إلى الأعلى من الأسفل.

ذكر فوائد فيه:

ذكر الحج والتمتع، فالحج إذا ذكر مطلقا يتناول المفرد وغيره من التمتع والقران، والتمتع الجمع بين الحج والعمرة، يتحلل بينهما إن لم يكن سائقا للهدي.

قال ابن سيده: المتعة والمتعة ضم العمرة إلى الحج، وقد تمتع واستمتع.

وقال القزاز في جامعه: المتعة هو أن يدخل الرجل مكة في أشهر الحج بعمرة، ثم يقيم فيها حتى يحج وقد خرج من إحرامه وتمتع بالنساء والطيب.

وقال ابن الأثير: التمتع الترفق بأداء النسكين على وجه الصحة في سفرة واحدة من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا، ولهذا لم يتحقق من المكي.

وقيل: سمي تمتعا؛ لأنهم يتمتعون بالنساء والطيب بين العمرة والحج، قاله عطاء وآخرون.

والمحرمون عشرة: مفرد بالحج، مفرد بالعمرة، قارن متمتع، مطلق، متطوع بحج، متطوع بعمرة، متطوع بقران، متمتع، مطلق، معلق يعني كإحرام فلان، والكل جائز عند أهل العلم كافة، إلا ما روي عن أميري المؤمنين عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع. وقيل: كان نهي تنزيه. وقيل: إنما نهيا عن فسخ الحج إلى العمرة؛ لأن ذلك كان خاصا بالصحابة.

وذهب أحمد إلى جواز فسخ الحج إلى العمرة، وقد استقصينا الكلام في الأفضل من الإفراد والتمتع والقران عن قريب.

التالي السابق


الخدمات العلمية