صفحة جزء
1583 250 - حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: سئل أسامة وأنا جالس: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص.


مطابقته للترجمة في قوله: " كان يسير العنق"؛ فإنه صفة سيره إذا دفع من عرفة، وعن قريب يأتي تفسيره.

(ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في الجهاد، عن أبي موسى، وفي المغازي عن مسدد، كلاهما عن يحيى بن سعيد، وأخرجه مسلم في المناسك، عن أبي الربيع الزهراني وقتيبة، كلاهما عن حماد بن زيد، وعن أبي بكر عن عبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير وحميد بن عبد الرحمن، وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي، عن مالك، وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم، وعن عبد الله بن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين، وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد الطنافسي وعمرو بن عبد الله الأودي.

(ذكر معناه): قوله: " سئل أسامة" ، وهو أسامة بن زيد بن حارثة حب رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم- ومولاه، سمع النبي وتوفي في آخر خلافة معاوية. قوله: " وأنا جالس" الواو فيه للحال، وفي رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك: وأنا جالس معه، وفي رواية مسلم من طريق حماد بن زيد، عن هشام، عن أبيه: سئل أسامة وأنا شاهد، أو قال: سألت أسامة بن زيد.

قوله: " في حجة الوداع" سميت به؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم- ودع الناس فيها، وقال: " لا ألقاكم بعد عامي هذا"، وغلط من كره تسميتها بذلك، وتسمى: البلاغ أيضا؛ لأنه قال - عليه الصلاة والسلام- فيها: " هل بلغت؟" وحجة الإسلام؛ لأنها التي حج فيها بأهل الإسلام ليس فيها مشرك. قوله: " حين دفع" ؛ أي: من عرفات، أي انصرف منها إلى المزدلفة، وفي رواية يحيى بن يحيى وغيره، عن مالك في الموطأ: حين دفع من عرفة. قوله: " العنق" بفتح العين المهملة وفتح النون، وفي آخره قاف، قال في الموعب لابن التياني: هو سير مسبطر، وقال معمر: هو أدنى المشي، وهو أن يرفع الفرس يده ليس يرفع هملجة ولا هرولة، وفي التهذيب للأزهري: العنق والعنيق: ضرب من السير، وقد أعنقت الدابة. وقال ابن سيده: فهي معنق ومعناق وعنيق. وفي المخصص عن الأصمعي: من المشي العنق، وهو أوله، وقال القزاز: ولم يقولوا: عنقه، وفي كتاب الاحتفال لابن أبي خالد في صفات الخيل: ومن أنواع سير الإبل والدواب العنق، وهو سير سهل مسبطر تمد فيه الدابة عنقها للاستعانة، وهو دون الإسراع. وفي المجمل: هو نوع من سير الدواب طويل. قوله: " فإذا وجد فجوة" ؛ الفجوة والفجواء ممدودا، قال ابن سيده: هو ما اتسع من الأرض، وقيل: ما اتسع منها وانخفض. وقال النووي: رواه بعضهم في الموطأ بضم الفاء وفتحها، ورواه أبو مصعب ويحيى بن بكير وغيرهما، عن مالك بلفظ: فرجة، بضم الفاء وسكون الراء، وهو بمعنى الفجوة.

قوله: " نص" فعل ماض وفاعله النبي - صلى الله عليه وسلم- أي: أسرع، وفي كتاب الاحتفال: النص والنصيص في السير: أن تسار الدابة أو البعير سيرا شديدا حتى تستخرج أقصى ما عنده، ونص كل شيء منتهاه.

[ ص: 7 ] وقال أبو عبيد: النص أصله منتهى الأشياء وغايتها ومبلغ أقصاها، وقال ابن بطال: تعجيل الدفع من عرفة - والله أعلم - إنما هو لضيق الوقت؛ لأنهم إنما يدفعون من عرفة إلى المزدلفة عند سقوط الشمس، وبين عرفة والمزدلفة نحو ثلاثة أميال، وعليهم أن يجمعوا المغرب والعشاء بالمزدلفة، وتلك سنتها، فتعجلوا في السير لاستعجال الصلاة. وقال الطبري: الصواب في صفة السير في الإفاضتين جميعا ما صحت به الآثار إلا في وادي محسر، فإنه يوضع لصحة الحديث بذلك، فلو أوضع أحد في موضع العنق أو العكس لم يلزمه شيء؛ لإجماع الجمع على ذلك غير أنه يكون مخطئا طريق الصواب. (قلت): أشار بقوله لصحة الحديث إلى ما روي عن جابر - رضي الله تعالى عنه- رواه الترمذي فقال: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع وبشر بن السري وأبو نعيم قالوا: حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، " عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أوضع في وادي محسر "، الحديث. وقال أبو عيسى : حديث حسن صحيح. قوله: " أوضع" ؛ أي: أسرع السير، من الإيضاع، وهو السير السريع، ومفعول (أوضع) محذوف، أي: أوضع راحلته؛ لأن الرباعي متعد والقاصر منه ثلاثي، قال الجوهري: وضع البعير وغيره، أي: أسرع في سيره.

وفيه من الفوائد أن السلف كانوا يحرصون على السؤال، عن كيفية أحواله - عليه الصلاة والسلام- في جميع حركاته وسكونه ليقتدوا به في ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية